مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبو القاسم الرافعي القزويني ” جزء 6″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو القاسم الرافعي القزويني ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ثم بعد ذلك الحاوي الكبير للماوردي، ثم المهذب للشيرازي، ونهاية المطلب لإمام الحرمين، ثم الوسيط لأبي حامد الغزالي، وكان تعدد الأقوال يستدعي الجمع بين الطرق، وتحديد الراجح للعمل والفتوى، وقد حاول إمام الحرمين توحيد الطرق المتعددة، وتبعه تلميذه الغزالي، من خلال كتاب البسيط وقد عمل الرافعي بعد ذلك على توحيد طريقتي العراقيين والخرسانيين، والطرق والأوجه المختلفة، من خلال جمع مواضع الخلاف، واستعراض أدلتها، والترجيح بحسب قوة الدليل، وتحديد مراتبها حينما يكون هناك قول ضعيف وقوي وأقوى، أو راجح وأرجح، وبيان ما هو في أصل المذهب، أو من قول الشافعي، أو من كلام الأصحاب، أو ما عليه الأكثرون، أو ما عليه الفتوى، ليكون العمل والفتوى على الراجح عند قوة الدليل، إذ أن تعدد الأقوال في المسألة الواحدة قد يؤدي إلى تشتيت الفكر عند العامة، ووقوعهم في إشكال أو حرج.

 

وكان للرافعي اطلاع على كتب السابقين في المذهب، ورواية الأوجه والطرق في المذهب، والمذاهب الأخرى، وما فيها من أقوال وآراء، وجمع ما تفرق منها، وقد استفاد الرافعي من والده الذي كان متضلعا في الفقه والحديث، بالإضافة إلى مشائخه الآخرين، وإلى عمله في نقل الأقول، والتفسير وروايته للحديث، والتدريس والفتوى، وقال عنه ابن الملقن وكان رحمه الله طاهر اللسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الاحتراز فِي النقول، فلا يطلق نقلا عن أحد إلا إِذا وقف عليه من كلامه، فإن لم يقف عليه وعبر بقوله وعن فلان كذا وذكر عنه أنه كان شديد الاحتراز في مراتب الترجيح، فيقول تارة على الأصح، وتارة يقول عند الأكثرين أو عند فلان، وأحيانا يعبر عما هو من جهته فيقول مثلا “الأحسن، والأعدل، والأشبه، والأمثل، والأقرب، والأنسب، أو ينبغي كذا” وقد جاء النووي من بعده، وحذا حذوه في التحقيق والترجيح.

 

وكانت له اجتهادات واختيارات إضافية، جمعها في كتبه، وتعد كتب الرافعي، وكتب النووي من أهم المرجع المعتمدة عند متأخرى الشافعية في الفقه الشافعي والعمدة في تحقيق المذهب، والمعتمد لدى المفتي وغيره، وقال ابن النقيب، في مقدمة كتاب عمدة السالك، هذا مختصر على مذهب الإمام الشافعي رحمة الله تعالى عليه ورضوانه، اقتصرت فيه على الصحيح من المذهب عند الرافعي والنووي، أو أحدهما، وقد أذكر فيه خلافا في بعض الصور، وذلك إذا اختلف تصحيحهما، مقدما لتصحيح النووي جازما به، فيكون مقابله تصحيح الرافعي، وكان لأبي القاسم الرافعي مكانة عند الولاة، وقد كان له موقف مع السلطان جلال الدين خوارزم شاه، وهو جلال الدين ابن علاء الدين خوارزم شاه، وهو يعرف بجلال الدين منكبرتي، وفي سنة ثلاث وعشرين وستمائه هجرية وهي السنة التي كان فيها وفاة الرافعي دخل السلطان جلال الدين قزوين.

 

والتقى بالإمام الرافعي، وتحادثا، وقال له الرافعي سمعت أنك قاتلت الكفار حتى جمد الدم على يدك، وطلب منه أن يريه يده ليقبلها، فقال له السلطان لا بل أنا الذي سيقبل يدك، ثم قبل السلطان يد الشيخ، وقال الذهبي وقال الشيخ تاج الدين الفزاري حدثنا ابن خلكان، أن خوارزم شاه غزا الكرج، وقتل بسيفه حتى جمد الدم على يده، فزاره الرافعي وقال هات يدك التي جمد عليها دم الكرج حتى أقبلها قال لا بل أنا أقبل يدك، وقبل يد الشيخ، وقال تاج الدين السبكي نقلت من خط الحافظ صلاح الدين خليل ابن كيكلدي العلائي، نقلت من خط الحافظ علم الدين أبي محمد القاسم ابن محمد البرزالي، نقلت من خط الشيخ الإمام تاج الدين ابن الفركاح، أن القاضي شمس الدين ابن خلكان حدثه أن الإمام الرافعي توفي في ذي القعدة، سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وأن خوارزم شاه، ويعني جلال الدين غزا الكرج بتفليس في هذه السنة، وقتل فيهم بنفسه حتى جمد الدم على يده.

 

فلما مر بقزوين خرج إليه الرافعي، فلما دخل إليه أكرمه إكراما عظيما، فقال له الرافعي سمعت أنك قاتلت الكفار حتى جمد الدم على يدك، فأحب أن تخرج إلي يدك لأقبلها، فقال له السلطان بل أنا أحب أن أقبل يدك، فقبل السلطان يده، وكان أبو القاسم الرافعي في العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة، وكان أبو القاسم الرافعي صاحب نسك، وتواضع، ذكر العلماء أنه اتصف بالورع والزهد والتقى، وأنه كان نقيا طاهر الذيل، مراقبا لله ذو سيرة رضية مرضية، وطريقة زكية، مشتغلا بالعلم والعبادة، قال السبكي وكان رحمه الله ورعا زاهدا تقيا نقيا طاهر الذيل مراقبا لله له السيرة الرضية المرضية والطريقة الزكية، والكرامات الباهرة، وقال ابن الصلاح أظن أني لم أري في بلاد العجم مثله، قلت لا شك في ذلك، وقال النووي الرافعي من الصالحين المتمكنين، كانت له كرامات كثيرة، وقال الذهبي وكان من العلماء العاملين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى