مقال

نفحات إيمانية ومع معاناة الرسول فى طريق الدعوة ” جزء 2″

نفحات إيمانية ومع معاناة الرسول فى طريق الدعوة ” جزء 2″

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع معاناة الرسول فى طريق الدعوة، فالمسلم يخطط لاستمرارية الحسنات بعد الموت، ويخطط للنجاة يوم القيامة، ويخطط للحفاظ على ما اكتسب من الحسنات، فإن ديننا الإسلامي جاء بتشريعات وعبادات تعيننا على التخطيط لأنشطتنا، وحفظ أوقاتنا، فعلى سبيل المثال أوقات الصلوات الخمس تقسم لنا اليوم والليلة تقسيما يتلاءم مع حياة البشر وأعمالهم، فصلاة الفجر وصلاة المغرب تفصلان النهار عن الليل، وصلاة الظهر والعصر تعطينا تجزيئا للنهار أوله، وسطه، آخره، وصلاة العشاء تقسم بين أول الليل وبقيته، وإذا جئنا نتأمل في أوسع الأوقات بين صلاتين، وجدنا ما بين الفجر والظهر، وهو وقت للإنتاج والعمل.

 

وكذلك ما بين العشاء والفجر، وهو الراحة والنوم، فإن مفهوم التخطيط في الإدارة الإسلامية، هو أسلوب عمل جماعي، يأخذ بالأسباب لمواجهة توقعات مستقبلية، أو يعتمد على منهج فكري عقدي يؤمن بالقدر ويتوكل على الله، ويسعى لتحقيق هدف شرعي، وهو عبادة الله وتعمير الكون، ولقد قابل المشركون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مارسوا كل ألوان الصد والرفض ذلك جنبا إلى جنب، متنقلين من طور إلى طور، ومن دور إلى دور فمن شدة إلى لين، ومن لين إلى شدة، ومن جدال إلى مساومة، ومن مساومة إلى جدال، ومن تهديد إلى ترغيب، ومن ترغيب إلى تهديد، كانوا يثورون ثم يخورون، ويجادلون ثم يجاملون، وينازلون ثم يتنازلون.

 

ويوعدون ثم يرغبون، كأنهم كانوا يتقدمون ويتأخرون، لا يقر لهم قرار، ولا يعجبهم الفرار، وكان الغرض من كل ذلك هو إحباط الدعوة الإسلامية، ولمّ شعث الكفر، ولكنهم بعد بذل كل الجهود واختبار كل الحيل عادوا خائبين، ولم يبق أمامهم إلا السيف، والسيف لا يزيد الفرقة إلا شدة، ولا ينتج إلا عن تناحر يستأصل الشأفة، فاحتاروا ماذا يفعلون‏، فكتبوا بذلك صحيفـة فيها عهود ومواثيق ‏‏ألا يقبلوا من بنى هاشم صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل‏، وقد قال ابن القيم‏ رحمه الله‏ يقال‏‏ كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم، ويقال‏ نضر بن الحارث، والصحيح أنه بغيض بن عامر بن هاشم، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت يده‏.

 

وقضوا ثلاثة أعوام في شعب أبي طالب واشتد الحصار، وقطعت عنهم الميرة والمادة، فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا بادروه فاشتروه، حتى بلغهم الجهد، والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرا، وكانوا لا يخرجون من الشعب لاشتراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم، وكانوا يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها، ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعون شراءها‏، وكان حكيم بن حزام ربما يحمل قمحا إلى عمته خديجة رضي الله عنها وقد تعرض له مرة أبو جهل فتعلق به ليمنعه.

 

فتدخل بينهما أبو البختري، ومكنه من حمل القمح إلى عمته‏، وكان أبو طالب يخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضطجع على فراشه، حتى يرى ذلك من أراد اغتياله، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يأتى بعض فرشهم‏، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يخرجون في أيام الموسم، فيلقون الناس، ويدعونهم إلى الإسلام، وقد مر عامان أو ثلاثة أعوام والأمر على ذلك، وفي المحرم سنة عشر من النبوة نقضت الصحيفة وفك الحصار، وذلك أن قريشا كانوا بين راض بهذا الميثاق وكاره له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى