في زاوية القلب حيث يُطوى الزمن ، ويُخبَّأ الوجع خلف ستائر الحنين ، هناك وجوه لا تموت ، وأصوات لا تنطفئ حين سألوني :
” هل لديك أحياء؟ ” لم أفهمهم أول الأمر ، نظرت في عينيهم طويلاً كأنني أبحث عن نية السؤال ، ثم هزّني الجواب الذي خرج من أعماقي: ” لا، بل لدي ملوك. “
هؤلاء الذين رحلوا لا يسكنون القبور ، بل يَسكنونني تراهم في ملامحي ، في لغتي ، في صوتي حين أشتاق ، في قلمي حين يكتب ، وفي دمعتي حين تسقط صامتة.
إن كانوا قد غابوا عن الأنظار ، فهم لم يغيبوا عن الحضور ما زالوا يزورونني كل ليلة ، يلقون السلام على حافة الوسادة ويتركون لي قبسًا من دفئهم في الصباح.
الملوك الذين أعنيهم ليسوا مَن جلسوا على عروش أو حُمِلوا على أكتاف المجد ، بل أولئك الذين حكَموا قلبي بالحب ، بالكرامة ، بالبساطة ، وبالحضور الساحر الذي لا يغيب حتى بالغِياب.
جدتي التي علّمتني أن الشاي لا يُشرب بل يُصغى إليه ، وأبي الذي أختصر الحياة في نظرة فخرٍ واحدة ، وصديقٌ رحل قبل أن ننهي الحديث وما زلت أكمله كل ليلة على صفحة فارغة وأمي التي هي نبع الحنان.
هؤلاء الملوك لا يموتون ، لأنهم لا يُقاسون بالعمر بل بالأثر لأنهم حين عاشوا ، عاشوا كاملين ممتلئين بالحياة حتى فاضت أرواحهم علينا.
كانوا كالشمس : لا تراها في الليل ، لكنك تعلم أنها ستعود
كانوا كالكتب القديمة : كلما فتحتها وجدت نفسك طفلًا من جديد.
أولئك الملوك لا تحكمهم الأرض ولا تسجنهم اللحود يخرجون من الصور القديمة ، من الرسائل المنسية ، من رائحة المطر ، من أغنية مرت صدفة فأوقفتك في منتصف الطريق.
إنهم خالدون لأنهم أحبّوا بصدق ومضوا بوقار.
“هل لديك أحياء؟” سألني مرة أخرى.
قلت: لا. بل لديّ ملوك… ولا يُسأل الملوك عن الموت .
ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺣﺒﺒﺘــــــــــــــــــﻜﻢ …
ﻭﺑﺎﻟﺨﻴـــــــــــﺮ ﺫﻛﺮﺗـــــــــــــــﻜﻢ …
ﻭﺑﺎﻟﻐﻴـــــــــــﺐ ﺩﻋـــــــــﻮﺕ لكم …
رحمكم الله وجعل مثواكم جنة الخلد والفردوس الأعلى ../.