خاطرة

الغث والسمين 

جريدة الأضواء المصرية

الغث والسمين 

  بقلم 

محمد إبراهيم الشقيفي 

افتقدنا عند ذروة النقاش ، عناق الحوار حواس المجاز ، حين احتدم الأمر فى واحة الإبداع ، صار النقد يخرج عن نطاق مداره ، تعطلت بعض آليات الحركة الذهنية التي تضخ فطرتها نبل القيم الجمالية ، واسترسل الناقد المحتد مسهبا يهذي لغوا بعيداً عن صواب الفهم ، من أجل أن يشوه الطرح . الانطباعية الذاتية قناة غير شرعية، تروج إلى هدم الفكر دون إنعقاد نية العدول .

الولوج في ازقات المدارس النقدية في جوهر ذاته غير شائك ، لكن الحديث بمنطق العبارات الباردة من أجل إسقاط الإساءة على العمل أمر غير مقبول ، خاصةً بعد أن أصبح الوضع لقمة مستساغة سهلة الهضم ، وهذا حال الجزء دون الإجماع والتجني على الكل ، فلدينا قامات أدبية تلوذ بها العقول ، لتتعلم منها القول الأصح والتعبير الأدق ، إنها الإعلامية والروائية القاصة الأستاذة/ نهى الرميسي ، التي تطبق نظريات النقد الأدبي بمعيار يزن الصواب اللغوي والثراء العاطفي ، حرصت أن لا تزايد على الكاتب ولو صادف عمله عدم إتقانه حلاوة القول .

راق لي أسلوب التفرد وعدم الانتقاص من فعل المبدع ، وإن كان غرس يده ذبل دون نضج الثمار ، شملت عبارات الدعم انطلاق سهم من قوس الأدب .

هذه الإطلالة المصرية الجميلة المتحدثة عن الحب بشكل عكس فى مرآة الشعر جمال العشق ، مجموعتها القصصية (مبروكة ) التى جسدت الحب من منطلق عقيدتها بعد أن صار إيمانها بأن السائد الآن وعلى النحو المعروف ، ممنوع من الصرف بعد أن تحجر فى الأذهان مفهوم الحب الحقيقي ، صاحبة رؤية إذاعية ، حملة أمانة الكلمة لكى تميز بين الخبيث والطيب ، راعت تلك السيدة النظريات النقدية ومدارسها ، احترمت من يعتنق أسلوب الخيال ، انحنت أمام من يقبل جبين الإنسانية ويبرز الصور الرمزية ، لمن يخلص فى رسم ملامح الطهر العاطفي ، إنها مدرسة النطق الصحيح ، وكأننا أمام إمرأة ولدت في جيناتها سليقة اللغة .

لقد ناقشت الدراما بعيون النقد الناظر في قيمة الشىء ومن ثم تقيمه ، كانت ومازالت تنتمي إلى شعبة المتحدثين بمعايير لا تعترف بالازدواجية ، احترمت وجهات النظر وهى توازى بين ما تلاحظ من السلب مع إظهار أفرع الإيجابية للمواقف دون أن تنزلق داخل جعبة النقد المعرفي .

الروائية تنظر في مرآة النقد ، وفى كلمتها الموجزة التي تدل على التعمق فى معاجم اللغة العربية ، قالت جملتها الشهيرة كأحد أعضاء ندوة الدراما الرمضانية في مرآة النقد (حول إبداع ) للدكتور احمد صلاح هاشم عام 2025 ، إن الحديث باللغة العربية أصبح شيئاً موجزاً ، و ينبغي لكل ناقد أن يجيد لغته ، رسالة واضحة المعالم تريد من خلالها القول لكل ناقد ، عليك أولا أن تتعلم فنون القتال ، و مهارات العرض والتقديم والتحليل قبل التقلييل من حجم المحتوى المعروض.

 النقد البناء يلعب دوراً كبيراً في تطوير المجتمع جماعة وفردا ، صاحبة البصمة الثاقبة فى إذاعة البرنامج العام ، تعد من المنتمين إلى مدرسة تحقيق معادلة التوازن على الساحة الأدبية ، وإن كان المعروف بين أهل البلاغة والنقد أن (سانت بوف) الذي قفز سليما معافا بين الحواجز وأحدث طفرة نوعية بتاريخ الأدب الحديث ، فإن رواية بنت نهي الرميسي (بيت السيدة) التي تناولتها أقلام محبرتها مملؤة بشعب التخصص وأفكار التأمل ، انها رؤية فضفاضة دون اسفاف ، تستدعي الماضي لسكنة دار الواقع ، استطاعت أن تستخلص المجاز من سحر المستعار ، لغتها الفصيحة لا تعني أن أسلوبها الرائع ، مجرد إمتداد لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ، الذي أدخل طريقة (سانت بوف ) فى الأدب العربي ، لكنها مظلتها رحبة ذو سعة فى الثقافة الحوارية ، تجعل القاريء فى الليل الادعج ، يستطيع أن يرسم صورة للموقف التي تعبر عنه جملها المضيئة.

ومن بين المثقفين العرب اختيرت الأديبة الكبيرة/نهى الرميسي ، لرئاسة جداريات ملتقى السرد العربي ، الذي يؤثر مباشرة في خارطة الأجناس الأدبية و يشكل صلصال ثقافتها من جديد ، بل عرفت كيف يفكر العالم فاعدت وقدمت برنامجها الشهير (كيف يفكر العالم ) التي استضافت من خلاله شخصيات عالمية لأول مرة في تاريخ الإعلام المصري مثل البروفسير كاثلن تايلور الطبيية وعالمة النفس بجامعة كمبردج ،

لقد خلت جلساتها النقاشية من الأنا ، واعتمدت بحكم تدينها على قاعدة قرآنية لإحدى آيات الذكر الحكيم (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين ) أبتعد عن منهج النقد السيكولوجي ، ليس لديها شعور مريض يجعلها تختلف من أجل موقف ، تفقد الشغف نحو درب الإنتقاد الذي يؤدي بصاحب الرؤية إلى الهلكة تحت أنقاض الإبداع ، بل تزين بعطر الفكر عب الهدم ، تحارب اللامعقول وتعتمد كبير مقدمي البرامج الثقافية بالبرنامج العام بالإذاعة المصرية فى أسلوبها علي العدول حال الإقناع بعد دراسة مستوفية.تمضي سفينتها فى وجهه جمالية دون تصادم.

وإن عدنا لأعمالها القصصية ديك الجن والروائية بصورها المختلفة ، لوجدنا الروابط بين المعاني في حركات مجازية متصلة حلقاتها تباعاً بالاستعانة بعناصر الاستعارة المكنية وعدم الاستعاضة بالمبالغة فى غير موضع يستحق.

لقد شاركت عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، في مهرجان بيت الشعر العرب الحادي عشر وأشارت بكل شفافية إلى تجديد عبقرية الألفاظ فى سطور الشعر ، إيماناً منها أن للشاعر مرآة تعكس هالة البدر ، عبرت وهى ترتدى ثوب عرس الأدب إلى عضوية لجنة العلاقات العربية ، صاحبة فلسفة تحمل إلينا منطق العدالة فى النقد ، وعلى صعيد آخر اهتمت بعالم الرقمنة كبوابة للعالم المطور ، فقدمت برنامجها الشهير عالم الإنترنت كأول برنامج تعليمي فى الإعلام المصري .

أخبرتنا عضو مجلس إدارة المجلس المصري للتنمية الثقافية بحنكة غير معهودة حين يكثر المعروض تتاح لنا الفرصة لمعرفة طبيعية الأفضل ، نسجت فى مقال الكتابات المراهقة فكر بسيط قد يحوي بعض التجارب لكن دون حلول جذرية ، دعت إلى كثرة الإطلاع والتربح من بين صفحات القراءة حتي تصبح اللغة للكاتب طيعة هينة لينة المعاني.

وعن جمال اللغة حين تؤدى بتلقائية تبرز مواطنها خاصة إذا كان المتحدث على شاكلة الأستاذ/ (ذكى طليمات )أحد رواد المسرح المصري ، أو من يسير على نهج نبرة غير محتقن حرفها بالتحريف كمثال الإذاعية المحترفة/ نهى محمود محمد الرميسي عضو إتحاد الكتاب بجمهورية مصر العربية ، المتألقة فى برنامج واحة الإبداع ، المبتكرة بقول غير الخافت الضوء ، لو لا وجود الغث ما ظهر رونق السمين ، أدركنا قولها المتوجع بأخلاق الحكمة ، مهما زين الردىء الملامح فإن البقاء لملمس العطر الفواح ذو اللون الفاتح.

لم تروج مطلقاً لفكر باطل يمزق عزيمة مبدع ، مدرستها لا تؤمن بتحريف التعاريف من أجل غاية تبرر الوسيلة ، لتبني قاعدة ليست أصولية بأن الباطل هو طريق الهداية ، لكن لديها ثروة طائلة من الانزياح الأدبي ميزها المنهج اللغوي بخصوصية ، جعلتها فى مكانة تعلو فوق غصن اللغة العادية ، بألفاظ تحملق فوق المصطلح ، تحتلق بدائرة المرادف ، كما فعل رموز علم النقد و رواده مثل العبقري الجم السيد /عبدالقادر الجرجاني ، صاحب نظرية النظم والرائد فى ساحة الأدب النقدي ، وعودة إلى توصيف دور من تمتلك القدرة على التغيير ، صاحبة (جائزة الإبداع )احسن محاور على مستوى العالم العربي فى مهرجان الإذاعة والتلفزيون لعام 2005 ، تملك مهارة العرض التعبيري ، دون الجرم وعجرفة القول الذي يمنع المبدع من الاستمرارية ، نتيجة مكر لاذع وليس نقد يافع يهدم محراب الكلمة ، ينحر مصطلح الإبداع ، و يهوى غريق فى جوف القاع ، فيأكل الغث السمين ويثمن دور الجاهل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى