مقال

الأخذ بالتكفير بالمآل غلط وشطط

جريدة الأضواء المصرية

الأخذ بالتكفير بالمآل غلط وشطط

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله المنعم على عباده بدينه القويم وشرعته، وهداهم لاتباع سيد المرسلين والتمسك بسنته، وأسبغ عليهم من واسع فضله وعظيم رحمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له دعوة الحق يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، يسبح له الليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله سيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا أما بعد، فيا أيها الناس إتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. 

وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ثم أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن شروط التكفير، وأن الأخذ بالتكفير بالمآل غلط وشطط وقد حكم عليه الأئمة بالغلط، والمراد بالتكفير بالمآل هو ما شرحه الأئمة شرحا مبينا ومن أولئك ابن رشد الحفيد كما في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد، حيث قال والمعنى بالتكفير بالمآل أنهم لا يصرحون بقول هو كفر ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر وهم لا يعتقدون ذَلِك اللزوم، وعليه فإن المآل للتقريرات شيء وما يقرر نصا شيء، وأما عن حقيقة التكفير بالمآل مركبة من شيئين، فالأول وهو أن لا ينص على هذا المآل ممن يراد تكفيره به، والثاني فهو أن يكون مقتضيا للقول أو لوازمه وتبعاته، ومن أمثلة ذلك هو أن يأتي إنسان إلى دولة مسلمة ذات حاكم مسلم يحكم بشرع الله ثم يقول إننا نرى البنوك الربوية قائمة وعليها حراس شداد وهذا يدل على الإستحلال. 

فأخذ باللازم والمقتضى وهذه مغالطة لما سبق إذ إن التكفير لا يكون بذلك، ولذلك قال الأئمة ومن محاسن عباراتهم ما قاله ابن حزم يرحمه الله في كتابه الفصـل في الملل والنحل، حيث قال ” وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض فقط والتناقض ليس كفرا بل قد أحسن إذ قد فر مِنْ الكفر، وقرر ذلك الإمام الشاطبي في كتاب الإعتصام، وسابعا وهو أن يؤخذ بقاعدة المقاصد وهي قاعدة عامة في الشرع مبنية على إجماعات، وثامنا وهو أن الأصل عند أهل السنة والأثر وعند الفقهاء جملة أنهم يرعون أن الحكم على الظواهر وأن البواطن توكل إلى الله، وتاسعا وهو ما يتعلق بالمسائل العلمية الفرعية التي تذكر عادة في الفروع فإن ذلك مما حكم الشارع بكفر صاحبه أو ذكر الأئمة أنه يكفر بتلك القالة أو ذلك الفعل وما إليه مرجعه أصالة إلى كتب الأئمة الثقات والفقهاء. 

وقد بوب الفقهاء بابا سموه باب الردة، جمعوا فيه ما به يحكم عَلَى المرء بالردة من أعمال وأقوال وما إليهما وقد ذكر جمع من الأئمة كالإمام البهوتي في كتاب كشاف القناع، وإن شبهات التكفير كثيرة إلا أن جماع ذلك على وجه إشتهار ثلاثة شبه، فالشبهة الأولى وهوأن كثيرين يتساهلون في تكفير الأفراد أو الآحاد أو الجماعات بناء على شبهة عندهم وهي أننا نسوّي بين الدخول في الإسلام والخروج منه، فنقبل من المرء الذي هو كافر أصلي أن يتشهد الشهادتين ونحكم حينئذ بعصمة دمه وماله وما يتبعه، ونقول إنه مسلم على ما يتبعها من إستكمال أصل الدين المعروف إشتهارا أو اظهارا، فكذلك هو العمل مع من نريد أن نخرجه، يكفي أن نأخذ منه قالة أو نظفر منه بفعل يظهره أو نحو ذلك تسوية بين المدخل والمخرج، ولا ريب أن ذلك خطأ إذ إن الشارع منه تؤخذ الأحكام، ومضى تقرير شيئين، فالشيء الأول فهو أن التكفير مسألة شرعية.

لا بد أن تؤخذ من الشارع لا من غيره، والشارع قد فرق بين المدخل والمخرج، في الإسلام، فهذا يقبل فيه بما يظهره والنطق بالشهادتين أوله، وأما عن الشيء الثاني فهو المخرج، أي الخروج من الدين أو الردة، فهذا لا بد فيه من أحكام وتنزيل من ثبت له عقد الإسلام بيقين، فلا يخرج منه إلا بيقين، وهذه القاعدة سبق التدليل عليها وتثبيتها، فإذا كان ذلك كذلك فلا يصح أن يقال المخرج كالمدخل ونكتفي بالظاهر ولا نبحث عن تلك الضوابط أو الشروط التي تعبنا من ملاحقة فهمها ومعرفة قيودها ولا شك أن

هذه مغالطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى