أشعار وقصائد

جدارية الظل والنور في قصيدة “بلقيس” لنزار قباني: تحليل بلاغي ورمزي

جريدة الأضواء المصرية

جدارية الظل والنور في قصيدة “بلقيس” لنزار قباني: تحليل بلاغي ورمزي

كتب يحي الداخلى 

في قصيدته “بلقيس”، يرسم نزار قباني جدارية شعرية تتصارع فيها ثنائية الظل والنور، في إطار فني عاطفي وسياسي شديد العمق. لا تقتصر القصيدة على رثاء زوجته الراحلة بلقيس الراوي، بل تتجاوز ذلك إلى مساءلة الواقع العربي، ووصف فقدان الجمال والحرية، حتى يتحول الحزن الشخصي إلى مأساة جماعية تعبر عن اغتيال للروح، وللكلمة، وللحياة نفسها.

الظل: رمز الحزن والمأساة والموت

الظل حاضر منذ اللحظة الأولى، حيث يبدأ الشاعر بإعلان الفقد: “فحبيبتي قُتِلَت” و “وقصيدتي اغْتِيلت”.

هنا، الظل لا يتمثل فقط في موت الحبيبة، بل يمتد ليشمل القصيدة ذاتها، أي أن الموت مسّ الجمال، الشعر، والذات المبدعة. وفي قوله: “هل من أُمَّةٍ في الأرضِ – إلا نحنُ – تغتالُ القصيدة؟”، ينتقل قباني من الفقد الشخصي إلى فضاء أوسع، يتهم فيه الأمة العربية بقتل الإبداع والكلمة، وكأن القتل لم يعد ماديًا فقط، بل ثقافيًا ومعنويًا. هذه الصور تحمل دلالة ظل كثيف، حيث السواد ليس لونًا بل واقعًا خانقًا.

النور: رمز الجمال، الحياة، والمقاومة

رغم قتامة المشهد، تتألق بلقيس في القصيدة كنور لا يُطفأ. يصورها الشاعر في أبهى صورة جمالية وتاريخية: “كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل” – تشبيه يمنحها بعدًا حضاريًا وأسطوريًا،

“كانت أطول النخلات في أرض العراق” – استعارة ترمز للشموخ والجمال والأصالة،

“ترافقها طواويسٌ .. وتتبعها أيائل” – مشهد بصري شديد الإشراق، يوحي بالحياة والبهاء.

في هذه الصور البلاغية، تتجلى بلقيس كنور مضيء وسط ظلام دامس. هي ليست امرأة فقط، بل رمز للجمال المهدور، للوطن المذبوح، وللأنوثة القتيلة في عالم يرفض النور.

الانعكاس بين الظل والنور

التفاعل بين الظل والنور في القصيدة ليس محايدًا، بل درامي وصاخب. الشاعر يجعل من قصيدته مرآة لهذا الصراع:

بلقيس تمثل النور، والقتلة يمثلون الظل.

القصيدة تمثل النور الإبداعي، واغتيالها يمثل العتمة الفكرية.

العراق الحضاري، بلد بابل والنخل والطواويس، يمثل النور، بينما عراق القتل والتفجير يمثل الظل.

هذه الجدلية تشكل صلب الجدارية، حيث لا يوجد نور إلا وتلاحقه الظلال، ولا ظل إلا ويثير في القلب حنينًا إلى النور.

الخلاصة

قصيدة بلقيس هي جدارية فنية وإنسانية تتصارع فيها قوى الظل والنور. يستخدم نزار قباني البلاغة الشعرية بأقصى طاقتها لتصوير الفقد والحب والمقاومة. بلقيس، في موتها، لا تغيب، بل تتحول إلى أيقونة نورانية تواجه ظل الواقع العربي المظلم، وتصبح القصيدة صوتًا حيًا في وجه القمع، وحكاية ضوء لا يُخمد.

بقلمي 

ربا رباعي

الاردن

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى