مما لا شك فيه أن نوع النص المعروض للقراءة هو قصة قصيرة ويتوجب طرح سؤال ، ماهي القصة ؟ حسب قواعد النقاد هي عبارة عن سرد للأحداث بشكل أساسي ،وغالبا ما تقوم على سلسلة من الأحداث محاولة جذب انتباه القارىء ، لتجعله يتتبع خطواتها بلذة وشغف كبير . والدافع لذلك هو الصراع الذي يدور بين الشخصيات التي تأسست عليها القصة .
إضاءات عامة :
وللقصة (بداية )منها تنطلق غالباً ما تكون مستقرة ظاهريا ،ثم يليها( الوسط ) وفي ظله يشتد الصراع إلى أن تبلغ الذروة . وفي الأخير هناك (نهاية) تتجمع فيها عدة عوامل وقوى تتطور وتتشابك إلى أن تتضاءل .
وبالرجوع إلى هندسة الكاتبة ليلى مهيدرة لقد حاولت الحفاظ على هذا الشكل المتوجب في كتابة القصة بشكل دقيق ليس هذا فحسب بل حافظت على العناصر الأساسية التي تكون القصة من شخصيات ،وزمان وحبكة وحل وفكرة بحيث وفقت بالحفاظ على دور الشخصيات التي لم يطرأ عليها أي تغيير بمعنى يمكن اعتبار شخصية القصة جامدة ليست متنامية بل ظلت شخصيات القصة محصورة بين أنثى ورجل ،كما أن أنها حافظت على زمان الحدث لم يتغير بل بقي زمانا محددا ، أما المكان بقي داخل دائرة مكتب حيث كانت المواجهة بين الشخصيتن الرئيسيين للقصة ، وعن الحبكة التي تعتبر من العناصر الأساسية التي يشتد إليه عنصر التشويق ، لقد حاولت الكاتبة بتدرج خلق نسبة التشويق والإثارة . ويمكن اعتبار الحبكة التي تم توظيفها من قبل الكاتبة هي حبكة متوازنة ليست حبكة نازلة أو الناجحة او المقلوبة على أي على ما يبدو ان للكاتبة تجربة رائدة في كتابة جنس القصة القصيرة بما يجعلها أحد نجوم الإبداع المتميز في ساحة الثقافة العربية بما يناسب ويتماشى مع طبيعة تركيبة الكتابة الجيدة في هذا المجال الفني ويظهر هذا العمل القيم في الفكرة العامة التي هي شديدة الصلة ببقية عناصر القصة .
والمتعمق في قراءة القصة قد يكتشف مدى قدرة الكاتبة ليلى مهيدرة على سكب مشاعر ذاتها وهي تواجه ذاك الشخص الذي خاضت معه صراعا وهي ترسم منحاها النفسي بلغة مقتنصة الفرص للإفلات منه بما لا يخلق أجواء مشحونة بلوحات عصيبة … وبعد مد وجزر استطاعت الكاتبة التحرر مما كان يراودها من إحساس الحزن والخزي (إن صح التعبير) …
قصة تعبيرية عما يخالج الخواطر من وقائع وأحداث ، نسجت بصور مشحونة ، وتوتر يطرح عدة علامات استفهامية ، لم يكن هذا الوضع إلا ضجيج نفس وحوار مع الذات المبدعة ….
[ويبقى الباب مفتوحا أمام كل من يعشق هذا الفن الإبداعي الواسع واللامحدود ….]
✓ بقلم الشاعر والناقد علال الجعدوني المغرب .
القصة:
مواجهة بقلم: ليلى مهيدرة/ المغرب
كان يرقبني من وراء أكوام الورق، وكنت متوجسة من نظرته تلك مع أنني أحاول تصنع القوة والشدة، اعتدل في جلسته مدلدلا رجليه من على سطح مكتبي، استمررتُ أنا في تفحص صفحة ما كنت لأرَى ما فيها لأني كنت منشغلة بالتفكير في ردة فعله .. بدا هادئا ..رزينا .. كأنما يبحث عن سؤال يبادرني به أو عن تفسير مقنع لقراري هذا، ترجل وبدأ يمشي بخطوات موزونة أمامي كضابط شرطة محنك وأنا أقنع نفسي أنني أملك من المبررات ما يجعلني سيدة الموقف دائما .. تذكرت القولة الشهيرة أن خير وسيلة للدفاع -أجل الدفاع لأني أدرك أنني مطالبة بتبرير موقفي هي الهجوم . سالت بثقة تامة :
– ماذا ستفعل الآن ؟
– في ما ؟
– أخبرتك أنك ملزم بالرحيل اليوم
– والى أين ؟
– إلى أي مكان تختاره ..أنت حر الآن
– وماذا سأقول للناس وكيف سيتقبلون شخصية وهمية مثلي …. ماذا عن ماضيّ ومن أكون ؟
-كما قلت لك وكما كررت مرارا لست أول كاتب يخترع شخصية ويلبسها نمطا معينا ويجعلها تعبر عن مواقفه
– والآن ؟
والآن ماذا ؟
اتضحت مواقفك وما عدت في حاجة لي.
– لا إنما كنت مرحلة وانتهت.
– ولو سألني الناس ماذا سأقول لهم .. سامحوني فأنا قررت الرحيل عن زمن ولى ولو سألوني ما اسمي سأقول ربما سيد أو محمد أو عربي أو أو …ومهنتي في غزة كنت مناضلا وفي المغرب مهاجرا سريا وفي بلاد لا اعرف موقعها في الخريطة كنت لاجئا …أليس كذلك ؟
– الأمر أبسط مما تتصور .. إفقد ذاكرتك وابحث فيهم عن هوية جديدة.
– مثل ماذا ؟ أنسيتي أنني كنت أسترق النظر إليهم من وراء عينيك وأراهم ضائعين أكثر مني… خائفين من الآخر دوما… متضايقين من مستواهم المعيشي وغير راغبين في شخص جديد حتى وإن كان شخصية وهمية.
سيعتبرونني مدسوسا عليهم من سلطة فوقية… والسلطة ستعتبرني إرهابيا متطرفا يدس الفكر المرفوض بين شباب مستعد لتقبل كل فكر غريب.
وقد يراني البعض منقذا لهم وأملك من التجارب ما قد يجعلهم أقل ضياعا.
– -أنت تضخم الأمور.
– ألست شخصية وهمية؟ الكل مهووس الآن بالعالم الوهمي.
– -الناس أبسط مما تتصور ولو قررت العيش بينهم سيحبوك وسيمنحوك من عطاياهم.
– -ولو سألوني من أين أتيت، ماذا سأجيب ؟
– – لن يسألوك وحتى إن سألوك قل أي شيء لن يهتموا أبدا.
– – من الذي لن يهتم هم أم أنت ؟ كيف تتخلين عني وكنت المعبر عن أفكارك دوما هل سمعت يوما بكاتب يتخلى عن بنات أفكاره وشخصياته.. هل أعدد لك من ماتوا دفاعا عن مواقفهم وخلدت شخصياتهم.
– -إذن تفكر في موتي لتخلد أنت ؟
– – بل أفكر في أن نخلد معا أم أنك قررت البحث عن شخصية عاجزة كالمحيطين بك ؟
– – لا يهم
– – وما المهم إذن تغيير المعطف دوما وتغيير اللون والمذهب… المهم أن تظلي اسما مطيعا لا يجيد غير كتابة التهليلات والتكبيرات وكلمات التأبين… والشخصيات تتغير بتغير الزمن يا سيدة زمن الخضوع …أتدري سيدتي شرف لي أن أستاذتي فأنا من سيستقيل منك وعنك لعل التاريخ يذكر بعضا مني …..
تأبط بضع وريقات من على سطح مكتبي وفرشها أرضا، ربما أدرك أن لا جدوى من الحوار، جلست أرقبه وبداخلي غصة فرحة ، فالفرح في موقفي هذا ليس دليل انتصار وإنما هو إحساس داخلي أشبه بالحزن أو الخزي إن صح التعبير ، رمقني بنظرة فاحصة كأنما يكتب صك تحرره مني ويلغي بالتالي قراري حتى لا أعلن انتصاري عليه يوما، قهقه عاليا لتتحول ضحكته إلى نار تلتهمني قبل أن تلتهمه والأوراق