الحمد لله، الحمد لله بارئ النسم، ومحيي الرمم، ومجزل القسم، مبدع البدائع، وشارعِ الشرائع، دينا رضيّا، ونورا مضيّا، أحمده وقد أسبغ البر الجزيل، وأسبل الستر الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبد آمن بربه، ورجا العفو والغفران لذنبه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحزبه صلاة وسلاما دائمين ممتدين إلى يوم الدين أما بعد لقد سار النبى المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم بأصحابه في غزوة بدر الكبري، حتى نزل بأدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، فقال الحباب بن المنذر رضي الله عنه يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أهو منزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بل هو الحرب والرأى والمكيدة”
فقال الحباب فليس هذا بمنزل فإنهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من الآبار، فإستحسن النبى صلى الله عليه وسلم رأى الحباب ومضى بأصحابه حتى نزل بالعدوة الدنيا مما يلى المدينة وجيش قريش بالعدوة القصوى مما يلى مكة وأنزل الله تعالي مطرا كان شديدا ووحلا زلقا على المشركين وكان طلا خفيفا على المسلمين طهرهم به ووطأ لهم الأرض وثبت به الأقدام وبنى المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا على تل مشرف على موضع المعركة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسوى صفوف أصحابه، ومشى فى أرض المعركة يشير إلى مصارع القوم إلى المواضع التي سيقتل فيها زعماء المشركين يقول هذا مصرع فلان إن شاء الله فو الله ما جاوز أحد منهم الموضع الذى أشار إليه النبى صلى الله عليه وسلم.
قتلوا فى تلك المواضع التى عينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتقى الفريقان وقام النبى صلى الله عليه وسلم بين يدى ربه يدعو ويلح فى الدعاء ويتضرع بين يدي ربه ويستغيث به، يقول اللهم أنجز لي ما وعدتنى، اللهم هذه قريش قد أتت بخيلها وخيلائها تصد عن دينك وتحارب رسولك، ثم يقول عن أصحابه” اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض” وإستجابة من الله سبحانه وتعالى لإستغاثة نبيه وإستغاثة الصحابة أنزل عليهم نصره، أنزل الملائكة فهزموا عدوهم هزمت قريش وولوا الدبر وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون وجمع من القتلى أربعة وعشرون من صناديد المشركين فألقى بهم في قليب من قلبان بدر منهم أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وغيرهم من رؤوس الكفر وصناديد المشركين.
وبعد ثلاث ليالى أقامها النبى صلى الله عليه وسلم ببدر إنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند إنصرافه وقف علي القليب ونادى أولئك الصناديد بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فقال له عمر الفاروق رضي الله عنه أتنادى أجسادا قد بليت يا رسول الله، فقال ” والله ما أنتم بأسمع لكلامي منهم ذلك أن الله عز وجل أسمعهم نداء نبيه فى تلك اللحظة” وفى هذين الفريقين فريق الإيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفريق الكفر والشرك قريش وصناديدها أنزل الله تبارك وتعالى قوله فى سورة الحج ” هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم”