أسواق المالأخبار عالميهأخبار عربيةأخبار مصرالاقتصادالشركات

الاستثمار الأجنبي في السوق المصري: فرصة معلّقة بين الواقع والتحديات

 

يكتب ✍✍✍ دكتور / علي جمال عبد الجواد مدرس أدارة الأعمال والمالية .


في كل مرة تلوّح فيها الدولة بفرص استثمارية واعدة، يتجه النظر فورًا نحو الاستثمار الأجنبي، خاصة في سوق الأوراق المالية، كعنصر حيوي لجذب رؤوس الأموال وتحقيق الاستقرار النقدي. لكن السؤال الحقيقي الآن: هل ما زال المستثمر الأجنبي يثق في السوق المصري؟ وهل البيئة الحالية قادرة على استيعابه؟

استثمار أجنبي… بنكهة غير مباشرة

الحديث هنا لا يدور عن المصانع والمشاريع العملاقة، بل عن ما يُعرف بـ”الاستثمار الأجنبي غير المباشر” — وهو دخول الأموال من خلال شراء الأسهم والسندات. وهو استثمار سريع، مرن، لكنه أيضًا حساس جدًا لأي تغيرات في السياسة النقدية أو سعر الصرف.

ومصر خلال السنوات الأخيرة كانت بيئة جاذبة لهذا النوع من الاستثمار، خصوصًا بعد تحرير سعر الصرف في 2016، وتحقيق استقرار نسبي وقتها. لكن مع الوقت، واجه هذا النوع من الاستثمار تحديات هيكلية ومناخية، جعلته أكثر حذرًا، وربما أقل حماسًا.

عوامل التأثير: لماذا يتردد المستثمر الأجنبي؟

. عدم استقرار سعر الصرف
المستثمر الأجنبي لا ينظر فقط إلى العائد بالعملة المحلية، بل إلى العائد بعد التحويل. وأي تخفيض مفاجئ للجنيه يعني خسائر فورية، حتى لو كانت الأرباح على الورق جيدة.

. السياسات الضريبية المتغيرة
غياب وضوح الرؤية الضريبية، وتعديلات متكررة في القوانين المتعلقة بالمستثمرين، يخلق مناخًا غير آمن لاستثمار طويل الأجل.

. بطء في تنفيذ الطروحات الحكومية
المستثمر الخارجي يبحث عن كيانات كبيرة، شفافة، ذات إدارة محترفة. وكلما تأخر الطرح أو أصبح غير واضح، تراجعت شهية الشراء.

. ضعف العمق السوقي
البورصة المصرية لا تزال محدودة من حيث عدد وقيمة الأسهم القابلة للتداول، مما يجعل الدخول والخروج السريع صعبًا في بعض الأحيان.

رؤية تحليلية: ما الذي يمكن أن يعيد ثقة الأجانب؟

من منظور أكاديمي وتحليلي، فإن جذب الاستثمار الأجنبي غير المباشر لا يعتمد فقط على “العائد”، بل على الاستقرار الكلي. وحتى لو ارتفعت الفائدة أو زادت أرباح الشركات، فإن غياب الاستقرار النقدي والتشريعي يظل عائقًا رئيسيًا.

لحل هذه المعضلة، يجب أن تُبنى منظومة الاستثمار في مصر على ثلاث ركائز:

– شفافية كاملة في السياسات الاقتصادية والمالية.
– توسيع قاعدة الطروحات وتحسين حوكمة الشركات المدرجة.
– إعادة بناء الثقة مع المستثمر الأجنبي من خلال تواصل مؤسسي واضح.

خاتمة: الثقة لا تُشترى بالعوائد… بل تُبنى بالوضوح

الاستثمار الأجنبي في السوق المصري يشبه إلى حد كبير طائر مهاجر:
لن يعود إلا إذا وجد مناخًا مستقرًا، غذاء كافيًا (فرص حقيقية)، وبيئة آمنة (سياسات واضحة).

الفرصة لا تزال قائمة، والمستثمر الأجنبي لا يمانع في الدخول — لكنه ينتظر رسالة طمأنة واضحة من الدولة، تتجاوز الوعود إلى التنفيذ الفعلي، والتزام طويل الأمد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى