
حوار مع الباحث العروضي الكبير الشاعر محمود يونس
أدارت الحوار غادة سيد
لو كان لكل انسان شعار لكان شعاره، الإخلاص والتفاني، ولو كانت لكل مسيرة عنوان، لكان عنوان مسيرته المثابرة والحرص على المعرفة.
لا تستطيع وأنت تشاهد أستاذ محمود يونس الشاعر الكبير والباحث العروضي ذو الخبرة الكبيرة، وهو يلقي محاضراته على الكبار والصغار من أعماقه، ليضع أمامهم خلاصة سنوات عمره بنفس راضية وتواضع جم، محتسبا أجره على ربه، إلا وتعلم أن خلف هذا الكيان سخي العطاء، مشوار كبير من الجهد والبذل. دعونا ندخل إلى عالمه، وليأذن لنا بمزيد من عطائه الذي تعودنا عليه، لننهل من تجربته الثرية ما ينير لنا الطريق.
▪︎ نتعرف بكم أستاذنا بمزيد من التفصيل
أنا من مواليد الإسكندرية و مسقط رأسي كان بالورديان، ثم كان الانتقال بعد سنتين من المولد للإقامة بمنطقة المكس الساحرة في مدينة الإسكندرية، حيث تم الاستقرار هناك.
▪︎ نتعرف على الأسرة
▪︎ الأسرة زوجة و خمسة أولاد، ثلاثة من الذكور وإثنتان من الإناث.
▪︎المدارس التي التحقت بها.. مدرسة المكس الإبتدائية، مدرسة الدخيلة الإعدادية، مدرسة الورديان الثانوية العسكرية، ثم كلية التجارة جامعة الإسكندرية، حيث حصلت على البكارليوس، ثم دبلوم دراسات عليا في السياسات الإدارية.
▪︎بداية الموهبة الأدبية والشعرية
▪︎حقيقة، لاحظت الأسرة البدايات، ربما بداية من سن السادسة والمرحلة الإبتدائية، حيث كان الميل والإنجذاب لتجمعات الرسم والعزف والشعر، إلى أن استقرت الموهبة في البداية عند الرسم، حيث كنت أستطيع أن أرسم ما هو أمامي، سواء أشخاص أو أشياء من الطبيعة بمهارة ودقة كبيرة جدًا،
وصلت للمرحلة الإعدادية وبدأت أذهب بنفسي لنادي قريب من منزلنا – نادي المجد الرياضي بالمكس – وكان النادي به أنشطة متعددة من ضمنها الفن التشكيلي، وكنا نسميه الرسم ، وكان يوجد فنان تشكيلي يدعى ” أحمد دسوقي “، وكان يوقع الدسكي ولوحاته يتم تغييرها أسبوعيًا للجمهور، الذي يتوافد طوال الأسبوع أمام النادي لمشاهدة اللوحة الجديدة كل يوم إثنين، بالتابلوة الزجاجي.
كان أحمد دسوقي طالب في السنة الثالثة في كلية الفنون الجميلة، وكنت أجلس إلى جواره ومعي بعض الصبية نشاهده أثناء عملية الرسم والإبداع.
سافر الفنان التشكيلي أحمد دسوقي فيما بعد إلى هولندا، ثم بدأت مرحلة جديدة من الموهبة، فكما ذكرت، كان النادي متعدد الأنشطة، كانت هناك تجمعات وجلسات شعرية، وكنت في ذلك الوقت في صيف الصف الأول من المرحلة الإعدادية.
جلست مع الشعراء، وكان من بينهم شخصيات توارت عن الوسط الأدبي، ومنهم من لم يتفاعل كالشاعر إسماعيل أحمد إسماعيل ومنهم من تواجد بقوة كالشاعر أحمد الحملة.
وكان النادي يتوافد إليه كبار شعراء الأسكندرية، وتقام فية الأمسيات الشعرية، استمعت لما يقولون من شعر وظننت وقتها أن الشعر هو إنتظام القوافي كما في الشعر العمودي أو الزجل، حاولت أن أفعل مثلما يقولون، فكانت التجربة الأولى ثم الثانية.
ثم الثالثة حيث تعلمت من الأستاذ أحمد الحملة أن الشعر له قواعد كتابة أولها؛ أوزان الشعر.
قال لي عندما تبدأ في كتابة الشعر، سوف أذهب بك لقصر ثقافة الحرية -مركز الإبداع حاليًا- وهناك ستجد الأستاذ محجوب موسي ستستفيد منه كثيرًا في هذا الأمر.
ولن أذهب بك الآن لأنه يقسو على الجدد وبدايات المواهب، وعلمت بعد ذلك وجهة نظر الأستاذ محجوب، وهي أن من يريد أن يتعلم سيصمد ويستمر أمام القسوة ومن يمر بحالة عابرة لن يضيع وقته ومجهوده معه هباء.
حقيقة فهمت وجهة النظر، ومن وقتها عكفت على تعلم علم العروض والقوافي، وأحضرت الكتب وبدأت أعلم نفسي وأستعد لذلك اللقاء.
مضى حوالي ثلاثة أعوام، وأنا أُعلم نفسي وأكتب حتى دخلت المرحلة الثانوية، وبدأت أدرس الشعر الأموي والعباسي ومدارس الشعر.
.. طيلة حياتي الدراسية كان مدرسو اللغة العربية، أصدقائي في المرحلة الإبتدائية، كان صاحب الفضل الأول، الأستاذ محمد موسي ، وفي المرحلة الإعدادية الأستاذ محمد جودة، كان شاعرًا مجيدًا، ثم إنتقل معي للمرحلة الثانوية عندما كنت في الصف الأول الثانوي، وكان الأستاذ شعبان الشريف، أستاذي في الصف الأول الثانوي، وكان بيني وبينه مودة ومحبة كبيرة، وتعلمت منه الكثير في الشعر.
في صيف أولي، ثانوي ذهبت إلي قصر ثقافة الحرية وكانت أمسية الأربعاء، وجلست بجوار صديقي وأخي الأكبر الشاعر أحمد الحملة بين كبار شعراء الأسكندرية.
كانت القاعة بها ما لا يقل عن أربعين شاعر حقيقي، الجميع في حالة إنصات، ثم التعقيب علي النص وما له أو عليه ، أما بالنسبة للجدد فعندما يأتي الدور يقوم الشاعر الوافد الجديد للأمسية بتعريف نفسه ثم يقدم نص، وينتظر التعقيب.
عندما جاء الدور عليَّ عرفت نفسي محمود يونس أولى ثانوي مدرسة الورديان الثانوية العسكرية فقال لى العلامة محجوب موسي: قول ياعم محمود.
فقلت نص، ثم قلت نص آخر موزون، فقال لي، عندك حاجة تانية تقولها، فتشجعت وقلت له، نعم عندي.
وقلت النص الثاني، ولاحظت عليه علامات الاستغراب والدهشة وعدم التوقع، فبمجرد أن أنهيت النص الثاني وفي خضم التصفيق والاستحسان قلت له: أقول لك نص ثالث؟ فقال لي: لا لا، قولي حكايتك إيه؟
أنا أكتب منذ ثلاث سنوات، واكملت له قصتي منذ كنت في الابتدائية، وإذا به يقول لي: إنت ح تكون شاعر كويس.
وفي ذلك الوقت لم تكن بيننا وسيلة تواصل سوى اللقاء في الندوات، ثم أخذتنا مشاغل الحياة، وابتعدت عن الوسط الأدبي ما يزيد على عشرين عامًا.
وتمر الأيام وألتقيه في مستشفي قريبة من منزلي وكنا في زيارته أنا وصديقي أحمد الحملة -ولم نكن نتوقع أنها آخر أيامه معنا _رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
وكنت قد اتفقت معه فور القيام من الوعكة، أني سأجهز له مكانا عندي لكي يقوم بتدريس العروض، وأخدِّم عليه، ولكن وافته المنية قبل تنفيذ الإتفاق، ومن وقتها وعقدت العزم أن أكمل المسيرة من بعده وعلى الله قصد السبيل.
▪︎ بمن تأثرت من الشعراء ؟
حقيقة تأثرت جدًا بشاعر الأطلال إبراهيم ناجي، حيث كانت تذاع قصة حياته بإذاعة البرنامج العام لمدة شهر كامل صباحًا، من السابعة والنصف حتى الثامنة إلا ربع.
▪︎ أهم الشخصيات التى أثرت بكم في المراحل العمرية..
▪︎حقيقة طيلة حياتي وأنا ملهم بشخصية عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، لدرجة أنني فكرت في الكتابة عن هذه الشخصية، ولكن وجدت آخرين كتبوا عنه، ولعل أهمهم خالد محمد خالد.
▪︎ أبرز أعمالك وأقربها إلى قلبك
▪︎ حقيقة كل أعمالي قريبة إلي قلبي لأن أغلبها غير مسبوقة ومنها..
أولًا : الموسوعة العروضية _غير مسبوقة_
(أول موسوعة عروضية في عالم الشعر مكونة من أربعة أجزاء
ثانيًا : ديوان (عسولة وأغاني الطفولة)، ويشتمل على (43) أغنية تعليمية للأطفال،
لتعليم القيم والمبادئ،
ثالثًا : (ديوان الأبراج الشعرية) وفيه تم صياغة الأبراج بطريقة شعرية بعد دراستها جيدًا من كل الجوانب الخاصة بها -غير مسبوق-
رابعًا : قصيدة الومضة: تم إصدار ديوانين وتحت الطبع إثنين آخرين، وهى نوع من
قصائد الشعر يكتب منظوم خليلي وفي أقل عدد من الكلمات -من 12 – 14- كلمة تقريبًا، مع اعتبار حروف الجر وأسماء الإشارة كلمات، وأعمال أخرى غير مسبوقة.
▪︎أحداث محفورة في الذاكرة
▪︎ عندما أزيل سبب إعفائي من الخدمة العسكرية وجُنِّدت –وكانت مدة تجنيدى هي
الباقية من السن للوصول لسن الإعفاء قانونَا– وتركت عملي وانعزلت عن العالم تمامَا، وكنت متزوج من شهر فقط، ثم أنجبت خلال فترة التجنيد وعدت
بعدها للحياة فهي فترة لا أنساها.
وأيضًا كلما وجدت إسمي فائزًا في مسابقة في الصحف والمجلات، حيث لم يتوفر وقتها العالم الإلكتروني -كان الأمر كله يتم عن طريق البريد- .
أما عن التكريمات في زمن التواصل الإجتماعي والعالم الإلكتروني فكثيرة جدًا
▪︎شخصية تمنيت أن أعاصرها
▪︎الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري
▪︎ملامح البيئة التي تربيت فيها
▪︎بلدة المكس كما ذكرت، كانت من أجمل مناطق الساحل في ذلك الوقت، فكان يتوافد إليها الفنانون والشعراء والأدباء وأغلب الأفلام القديمة في الستينات مثلت بها، لذلك كان لها الأثر الكبير في تشكيل وجداني الفني والأدبي.
▪︎رسالتك في الحياة والأدب..
▪︎خير الناس أنفعهم للناس
▪︎مبدأ تعمل به..
▪︎اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.
▪︎ ماهي أمنياتك العامة والخاصة ؟
العامة: أن يعم الخير والرخاء على العالم كله،
أن تكون مصر أعظم دولة في العالم، و أن يعيش الناس في سلام وأمان وأن يهتم كل فرد بنفسه ولا يشغل باله بغيره.
أن يزيل الله من الأنفس المريضة الحقد والكره والضغينة ويكون الجميع في محبة وسلام.
أما الخاصة: أن أجمع كل أطفال الوطن العربي الموهوبين وأدرس لهم علم العروض والقوافي، وفنون النظم المختلفة لعل أن يكون بينهم فطاحل لمستقبل الشعر، كذلك أن يتعلم جميع الشعراء النظم الصحيح.
▪︎ماذا تحب أن تقول في نهاية الحوار؟
▪︎ في النهاية أتمني لكم وللجميع كل الخير والسعادة ، وألف ألف شكر علي الحوار الذي جعلني استرجع محطات هامة من حياتي، أسأل الله أن تحقق الفائدة، وأشكر الاهتمام من جريدة الأضواء المصرية بالثقافة والمثقفين،، ولكم مني كل الحب والخير والإحترام والتقدير.
▪︎ شكرا لكم أستاذنا الفاضل على ما منحتنا من وقتك، وما أطلعتنا عليه من مسيرتك العطرة، لتكون نبراسا يهدي الأجيال القادمة إلى العمل والمثابرة والعطاء والإبداع، دمتم بكل خير.