
رسول الله في ضحكه ومزاحه ودعابته
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله العليم الخبير، السميع البصير، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، لا إله إلا هو إليه المصير، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الكبير، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ذوي الفضل الكبير، ثم أما بعد لقد كان الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم ضاحكا، وهو الضحك المعتدل بلسم للروح ودواء للنفس وراحة للخاطر المكدود وبعد الجد والعمل، والمقتصد منه دليل على الأريحية، وآية على اعتدال المزاج، وعلامة على صفاء الطوية، وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم مع أهله إذا دخل عليهم ضحاكا بساما يمازح زوجاته ويلاطفهن ويؤنسهن.
ويحادثهن حديث الود والحب والحنان والعطف لأنه بعث رحمة للعالمين، وأحق الناس بهذه الرحمة أهله وقرابته وأحبابه وأصحابه وكانت تعلو محيّاه الطاهر البسمة المشرقة الموحية، فإذا قابل بها الناس أسر قلوبهم أسرا فمالت نفوسهم بالكلية إليه وتهافتت أرواحهم عليه، يبتسم عن مثل البرد في وجه أبهى من الشمس، وجبين أزهى من البدر، وفم أطهر من الأقحوان، وخلق أندى من الرياض، وودّ أرق من النسيم، يمزح ولا يقول إلا حقا، فيكون مزحه على أرواح أصحابه أهنى من قطرات الماء على كبد الصادي وألطف من يد الوالد الحاني على رأس ابنه الوديع، يمازحهم فتنشط أرواحهم وتنشرح صدورهم وتنطلق أسارير وجوههم، فلا والله ما يريدون الدنيا كلها في جلسة واحدة من جلساته، ولا والله لا يرغبون في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة في كلمة حانية وادعة مشرقة من كلماته.
ويقول جرير بن عبدالله البجلي ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي، وجرير يفتخر بهذا العطاء ويعلن هذا السخاء، فهذه البسمة الوارفة الدافئة الصادقة أجل عند جرير من كل الذكريات وأسمى من كل الأمنيات، فيقول يبتسم في وجهه فكفى، يملأ روحه برا وحنانا ولطفا، ويشبع قلبه سماحة ورحمة وودا، ولا تظن المسألة عادية أو أن الموقف سهل بسيطن لأنك ما عشت الحدث وما لابست القضية، والرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم في ضحكه ومزاحه ودعابته وسط بين من جف خلقه ويبس طبعه وتجهم محياه وعبس وجهه، وبين من أكثر من الضحك واستهتر في المزاح وأدمن الدعابة والخفة، فكان صلى الله عليه وسلم يضحك في مناسبات حتى تبدو نواجذه،
ولكنه لم يستغرق في الضحك حتى يهتز جسمه أو يتمايل أو تبدو لهواته، وهي أقصى الحق، وقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ” وإياك والضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب” رواه أحمد، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم مازح بعض أصحابه فقال له أريد أن تحملني يا رسول الله على جمل، قال ” لا أجد لك إلا ولد الناقة” فولى الرجال فدعاه وقال ” وهل تلد الإبل إلا النوق؟” أي أن الجمل أصلا ولد ناقة، رواه أحمد، ويروى أن عجوزا أتته صلى الله عليه وسلم تطلب منه أن يدعو لها بدخول الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم ” لا يدخل الجنة عجوز” فولت تبكي، فدعاها وقال ” أما سمعت قول الله سبحانه ” إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن ابكارا عربا أترابا”