مقال

إفشاء السر خيانة للأمانة

جريدة الأضواء المصرية

إفشاء السر خيانة للأمانة
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد لقد حذرنا الإسلام من خيانة الأمانة، وإن إفشاء السر خيانة للأمانة، وإذا كان يترتب عليه إضرار فهو محرم، لما فيه من الخيانة والظلم، وقد روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا حدث الرجل بالحديث والتفت فهي أمانة” وقال الحسن البصري ” إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك” وقال الغزالي في الإحياء وإفشاء السر خيانة، وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار، وأما إذا كان هناك اليمين أو القسم علي عدم إفشاء السر وأفشيته فيلزمك تكفيرها فيما يبدو، لأنك قد حنثت فيها بإخبارك بهذا السر.

وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام، وعليك أن تستسمح هذا الرجل إن أمكن ذلك، وإذا كان طلب السماح منه يؤدي إلى زيادة البغضاء والشقاق، فعليك طلب السماح منه في الجملة، وإكتفي بالدعاء له والإستغفار ولا تبين له ما حصل، لئلا يوغر ذلك صدره ويؤدي إلى فساد أكبر، وهذا هو اختيار جمع من المحققين منهم ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، واحتجوا علي ذلك بأن إعلامه مفسدة محضة لا تتضمن مصلحة، فإنه لا يزيده إلا أذى بعد أن كان مستريحا قبل سماعه، وأن هناك فرقا بين الحقوق المالية وغيرها، لأن الحقوق المالية ينتفع بها إذا رجعت إليه، وقال السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب أنه لا يخلو حق الآدمي من كونه إما ينجبر بمثله من الأموال وقيم المتلفات أولا، فالأول لا بد من رده لأهله من مال ونحوه، وإما ما لا ينجبر بمثله، بل جزاؤه من غير جنسه.

كالقذف والزنا والغيبة والنميمة فالتوبة عن هذا النوع بالندم والإقلاع وكثرة الإستغفار للمغتاب ونحوه، ولا يحتاج إلى إعلامه ولا إستحلاله من ذلك كله، كما اختاره القاضي وشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وجماعة وهو الذي ذكره الشيخ عبد القادر، ولأن في إعلامه إدخال غم عليه، قال القاضي فلم يجزي ذلك، والفرق بينهما ظاهر، فإن في الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها وإن شاء تصدق بها، وأما في الغيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع، فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رمي به، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدا، وما كان هذا سبيله فإن الشارع الحكيم لا يبيحه ولا يجوزه فضلا عن أن يوجبه ويأمر به، ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها.

وإختار أصحابنا أنه لا يعلمه، بل يدعو له دعاء يكون إحسانا إليه في مقابلة مظلمته كما روي في الأثر وهذا أحسن من إعلامه، فإن في إعلامه زيادة إيذاء له، فإن تضرر الإنسان بما علمه من شتمه أبلغ من تضرره بما لا يعلم، ثم قد يكون ذلك سبب العدوان على الظالم أولا، إذ النفوس لا تقف غالبا عند العدل والإنصاف، ففي إعلامه هذان الفسادان، وفيه مفسدة ثالثة ولو كانت بحق وهو زوال ما بينهما من كمال الألفة والمحبة أو تجدد القطيعة والبغضة والله تعالى أمر بالجماعة ونهى عن الفرقة، ولقد نهى الله تعالى عن الخيانة، وأمر سبحانه بأداء الأمانة ومدح المؤمنين بذلك، والخائن وإن إستطاع أن يفر من عقوبة الدنيا فهو عرضة لأنه يفضح في الآخرة بقدر غدره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة، فيقال ألا هذه غدرة فلان” رواه الشيخان.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى