مقال

خطورة التفريط في الأمانة

جريدة الأضواء المصرية

خطورة التفريط في الأمانة
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد لقد عُرف الرسول بصدقه وأمانته بين أهل مكة، فكانوا يلقبونه قبل البعثة بالصادق الأمين، وحينما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ترك الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليعطي المشركين الودائع والأمانات التي تركوها عنده، وجبريل عليه السلام أمين وحي السماء، فقد وصفه الله بذلك في قوله تعالى ” وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين ” ومن معاني الأمانة هو وضع كل شيء في مكانه اللائق به، حيث قال أبو ذر رضي الله عنه يا رسول الله ألا تستعملني؟ يعني ألا تجعلني واليا أو أميرا أو رئيسا لك على إحدى المدن، قال فضرب بيده على منكبي.

ثم قال صلي الله عليه وسلم “يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها ” رواه مسلم، ولقد تولى عمر رضي الله عنه وأرضاه القضاء في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث إستعان به أبو بكر رضي الله عنه في أول خلافته على تولي القضاء، ومضى عام على تولي عمر رضي الله عنه هذه المسئولية، ثم جاء يقدم إستقالته ويريد أن يعفى من القضاء، فقال له أبو بكر أمن ثقل المسئولية يا عمر أردت أن تتخلى عنها؟ قال لا، ولكن مضى لي عام وأنا في القضاء لم ترفع لي قضية واحدة، ليس لي حاجة بين قوم مؤمنين عرف كل منهم ما له وما عليه، فهو مجتمع يثق ببعضه البعض، ومجتمع يسعى أفراده إلى إصلاح ذات بينهم فيما بينهم، مجتمع يعرف الحقوق فيؤديها والشعار الثقة فيما بينه البين.

فانظر في محاكمنا اليوم وقد امتلأت بالشكاوى والقضايا حتى بين الأقارب، فساءت أخلاقنا، وساءت معاملاتنا، ولم يعد المجتمع يثق في بعضه البعض، وقيل أنه جاء رجل يقترض من رجل فقال له كم تريد وما هي حاجتك؟ قال حاجتي مبلغ كذا وكذا، قال متى تستطيع سدادها وخذ الوقت الذي تريده؟ قال أحتاج إلى ستة أشهر، قال خذ تسعة أشهر، فيقول الآن مضت سنتان ولم أره من بعدها، فلماذا نهرب من بعضنا البعض؟ ولماذا يخون بعضنا بعضا؟ لقد أصبحنا لا نثق ببعضنا البعض، وحتى القريب لا يثق في قريبه، فأين هي أخلاق المسلمين؟ فإن الذي نعاني منه اليوم حقيقة هو إفتقادنا لأخلاق المسلمين في تعاملاتنا، وفي بيعنا وشرائنا، وفي أخذنا وعطائنا، وهناك خلق عظيم لو تخلق به المجتمع لساد الأمن والأمان، وعمت الثقة بين أفراده، إنه خلق الأمانة.

وهي ضده الخيانة التي هي من صفات المنافقين، وكما أن أمانة نبي الله موسى عليه السلام وقوته هي التي دفعت إحدى ابنتي شعيب إلى استئجاره لرعي أغنامهم، ونبي الله يوسف الصديق عليه السلام لم يرشح نفسه لإدارة شئون المال بنبوته وتقواه فحسب، بل بحفظه وعلمه وأمانته أيضا، وإن تحمل الأمانة أمر ليس بالهين اللين كما يعتقده الكثيرون، فاللهم أحفظ المؤمنين في سائر البلدان يا رب العالمين اللهم انصر دينك وكتابك وأولياءك وعبادك الصالحين وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى