
قراءة في المجموعة القصصية” حواديت محلية الصنع” للأديب علاء أحمد
كتبت غادة سيد
بغلاف رطب أخضر كقلوب الأطفال الغضة وهم ينصتون إلى الموسيقى الخفية القادمة من ذلك الكرسي المائل على ارض تفتقر الى الاستواء لكنه يصدح بحكايات تروى من سوق المستعمل لبضاعةٍ يعاد تدويرُها الى حوأديت محليةٍ في صنعتها.
ليس غريبا أن يكون الإهداءُ الى عمر وليلى ويسبقهما بإهداءٍالى نفسه، فهما نفسُه التي أراد لها الامتداد من منطلق جذوره.
يوقعنا في مأذق محكم في “تعريف لابد منه” لهذه النفس التي أهداها حواديتَه.
جاء التعريفُ بكل عبارات النفي لا الإثبات بخلاف المتعارف عليه، تحيرك بساطتها كيف صيغت بهذا العمق.
فتوقن أنك على مشارف موهبة تستحق أن تكونَ حواديتُها محلية الصنع
حالة عشق مع دراجته الجديدة القديمة يحتضنها بذراعي أحلامه قبل أن تنير شرفته بزهوها كأمنية غالية تتز ين كل يوم كعروس جديد.
علق قلوبَنا بذلك السوق فتعلقت أحلامُنا بدراجته. ليثير تساؤلات مشروعة؟ هل للتفوق من مكافأة؟
هل دائما يفوز الانتهازيون؟ يخبرنا أن هناك عملات أغلى، لن تتفوق عليها يوما تلك العملات الورقية.هي عملات لا يَطمس معالمَها الزمن، ذلك الزمن الذي يطول ويقصر في وجدانه كما في رحلة شراء الدراجة وفي الأمكنة كما في القشاش وفي سبنسة قطار الأغنياء المكيف رغم سرعته. تلك السرعة التي تختلف من داخل القطار حيث المقاعد القابلة للانبساط وخارجه حيث الحديد المعشق بأجساد الكادحين في مغامرة لا يسلم من مفاجآتها الخطرة المتمرس ذو الخبرة أو الغَرير المحدث على السواء مهما ابدَوا من مظاهر الفطنة والشجاعة.
الكل جمعتهم صحبة السبنسة رغم كونهم غرباء،
كذلك الغريب في قصة “الغريب” متصنع الود متقبل الألم من أجل لقمة عيش لم يتذوق طراوتها بعد أن أحرقتها جمرات الفقر فأصابته في يده وأجدبت جبينه من عرق ذهب هباء في عز الشباب.
ليؤكد لنا مجددا أن الحال لا تختلف مع عجوز يتوق إلى سكن آدمي لا قبرا يمنحه إياه بسطاء مثله. لا غرو فالقبر يتسع للجميع أما السكن على أفضل حال سيكون طريقا خلفيا للموت الذي يأتي دائما في موعده لمن يملكون السكن ومن يفتقرون إليه، لكنه لا يزال افضل حالا ممن اضطر لأن يمشي على أربع، ويعلو صوته نباحا مطالبا بأبسط حقوق الحيوان التي يحصل على اعلاها كلاب الأغنياء.
اما المستفيد الاكبر من حواديت وقصص الشارع الذي يسكنه ويغفله، هو المتلقي. حين يتعجب من حكمة بكتريا حين سؤل: مش بتعرف تقرأ صح؟
فاجاب: لا بعرف بس انت بتقرا بطريقتك وانا بطريقتي. . وبالفعل أكد كلامه بعد الحديث عن تسنيم ابنته وبقائها على الفطرة وقد عبر بلغة بسيطة يقول “فهي على حطة اللي خلقها وكل صنعته حلوة”.
فردٌ يشعر باهميته في الحياة وأمام ابنة الجيران عندما يتطلع إليه الجميع ويقول أحدهم: بكتريا اتنين سادة وواحدة محشية. يبدو أخيرا أن تسنيم ستصبح طبيبةً من مال حلال يجلبه لها أبوها بروحه ودمه.
٧_ في قلبي خروف
قلبي أنا، لا قلب وحيد ولم العجب وقد نجح في سرده في استدرار دموع العطف على الخروف حتى أني حمدت الله على نجاته هو بعد أن فداه صديقه، وذلك رأفة بصاحبه الذي لم يشأ أن يُسلمه بيده للذبح قصاصًا ، فقضى قبل أن يرى بعينيه تلك الفعلة الشنعاء، لتنفض الاشتباكات بين شارع الرحمة وعزبة القاضي.
في “جنينة عم صابر ” يقول:
“فنحن دون معرفة ما حدث عِميان نسير إلى ما سيحدث”.
ويقول: “كان جدي يفكر في امر الغد حتى غاب منه اليوم”
تلك القصة وما بعدها ذكرتني برواية نساء المحمودية لأستاذ منير عتيبة لكن هنا اتخذت اسم “جنينة عم صابر” بوروده التي عادت كالعنقاء بعد مو تها كأنها تجاوزت الحزن لممارسة الوفاء.
٩. يتبعها بقصة “المعدية” صابر الثالث
يشعرك العنوان من البداية أن صابر الثالث لا يخص فردا بل هو هوية قد تجدها مكتوبةً هكذا في هيئة التعبئة والإحصاء. ندرك رفض صابر الثالث أن يُردم ما ضيع جده عمرَه في حفره اكراها، لتضيع فيما بعد صدقته الجارية، فماذا يتبقى له سوى الذهاب الى جوار جده عسى أن يجد الحال أفضل بعيدا عن جور الدنيا وقد تكفل غيره بتعجيل زمن الوصول الذي كان قد شارف بالفعل على الانتهاء.