الميزة الغائية لوجود الإنسان بقلم / محمـــد الدكـــروري
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إرغاما لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، السادة الغرر، وسلم تسليما كثيرا ما رأت عين وامتد نظر، أما بعد إن من التكريم للإنسان هو الميزة الغائية لوجوده، فهو مكرم على من سواه من المخلوقات بغاية الوجود، فينمو داخله الشعور بالقيمة الوجودية لذاته، ولذلك حرمت الشريعة إعتداء الإنسان على ذاته بإزهاق الروح إستعجالا للموت لأن هذا تعد على مبدأ الغائية التي كرمت بها النفس الإنسانية، كما في حديث ثابت بن الضحاك رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال “من قتل نفسه بشيء عذب به” رواه أحمد، ومما يعزز هذا المعنى ما ورد في صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال كان سهل بن حنيف، وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية.
فمروا عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة، فقالا إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال “أليست نفسا” وحين يقرر العلماء كليات الإسلام التي إحتفت الشريعة بالحفاظ عليها من جانب الطلب وهو ما يتحقق به المقصد إبتداء، وجانب الدفع وهو ما يحفظ به المقصد عند تعرضه للخطر فهم يقررون حفظ كلية النفس مثلا بمفهوم النفس الكلي، أي بإستغراق النفس البشرية من حيث هي نفس منفوسة خلقها الله تعالى، ولا يخرج عن هذا الأصل لأي إعتبار من عرق أو جنس، أو دين، وإنما بحسب إعتبارات محددة، ومسوغات معقولة المعنى، كمن إختار أن يكون معتديا على غيره، أو معاديا حائلا بين الناس وبين الدين، ومع ذلك فليس كل أحد مخولا بإنفاذ هذا الإستثناء، إنما له نظامه ومرجعيته المقررة في كتب الفقه الإسلامي ومدوناته.
فالشريعة الإسلامية عززت من قيم الوجود الإنساني، والمحافظة على المشتركات الإنسانية وفق مراد الله تعالى، ويتجلى ذلك من خلال وثيقة المدينة، وهي وثيقة الإنسانية دون منافس، حيث يظهر من بنودها أن الشريعة الإسلامية حين تكون الحاكمة في الأرض، فإنها تضمن للوجود الإنساني حقه في العيش، وممارسة النشاطات الإنسانية غير المعادية، وفق معايير عادلة ومعقولة، فقد ورد في نص تلك الوثيقة التي تواردت على نقلها المصادر التأريخية “وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعضٍ دون الناس، وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصر، والأُسوة غير مظلومين، ولا متناصر عليهم، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، ولليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم نفسه، وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه، وأهل بيته”
ومعني “لا يوتغ، أي لا يهلك” رواه ابن اسحاق، ونقله عنه ابن كثير وقال كذا أورده ابن إسحاق بنحوه، وقد تكلم عليه أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتاب الغريب وغيره بما يطول، ولذلك فإن أولوية رسالة المسلمين اليوم إلى مجتمعهم البشري هي الحفاظ على إنسانية الإنسان، والعودة به من دركات الحيوانية الموغلة في الماديات والشهوات إلى دائرة الإنسانية، ورتبة الآدمية، ومن ثم الدعوة إلى الإيمان بالله، ذلك أن الجاهلية المعاصرة سلبت كل خصاص الآدمية، وإمتهنت الإنسان، وإنتقصت من إنسانيته، بحيث حولته إلى مخلوق منتكس الفطرة في غرائزه، وأفكاره، وسلوكه، فأوصلته إلى تيه الإلحاد، وروجت له المثلية، وأغرته بالإباحية، وأغرقته في المادية، فلم يعد للقيم الإنسانية وجود يصلح البناء عليه، بل تنكر البشر لمشتركاتهم التي جاء الإسلام لتعزيزها.
وسنقف مع الجوانب الإنسانية في حياة خير البرية صلى الله عليه وسلم لنشاهد إنسانيةَ خير إنسان وطئ الثرى، وخير إنسان علم الإنسانية القيم والأخلاق الإنسانية النابعة عن إنسان وعى الحياة وبصره بها ربه سبحانه وتعالى، فكان صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل في إنسانيته، كامل في شريعته إذ جعلها تلائم بني الإنسان، كامل في إنسانيته، عندما يتعامل مع زوجاته وأطفاله، كامل في إنسانيته مع نفسه ومع مشاعره، كامل في إنسانيته مع أعدائه، ولما لا وهو رسول الإنسانية، الذي أعطى الإنسان قدره، ورفع من شأنه وكرّمه؟ وإن المتأمل في التشريعات التي جاءت على لسان خير الكائنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، لَيلمس فيها الجانب الإنساني الذي يقدر إنسانية المسلم، ويعرف قدرته وطاقته لذا جاءت التشريعات تحمل المعنى الإنساني في اليسر والسهولة، والرفق والرحمة.