مقال

صنيعة من صنائع المعروف

جريدة الأضواء المصرية

صنيعة من صنائع المعروف
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 7 سبتمبر 2024
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد، إن رحمة الله لو فتحها سبحانه لأحد من خلقه، فسيجدها في كل شيء وفي كل موضع وفي كل حال وفي كل مكان وفي كل زمان فإنه لا ممسك لها، فما من نعمة من نعم الله يمسك الله معها رحمته حتى تنقلب هي بذاتها نقمة، وما من محنة تحفها رحمة الله تعالي حتى تكون هي بذاتها نعمة، ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله فإذا هو مهاد وحرير وينام على الحرير وقد أمسكت عنه رحمة الله، فإذا هو شوك وعذاب، فإن الإنسان يواجه أصعب الأمور برحمة الله فإذا هي هوادة ويسر ويواجه أيسر الأمور وقد تخلت رحمة الله تعالي فإذا هي مشقة وعسر.

ويخوض المخاوف والأخطار برحمة الله، فإذا هي أمن وسلام ويعبرها بدون رحمة الله، فإذا هي مهلكة وبوار وإنه لا ضيق مع رحمة الله تعالي، فلنطلبها بفعل أسبابها والأخذ بمفاتيحها يارب خصنا برحمتك يا من يختص برحمته من يشاء، وإن المال والولد والصحة والقوة والجاه والسلطان تصبح مصادر قلق وتعب ونكد إذا أمسكت عنها رحمة الله تعالي، فإذا فتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة والسعادة والاطمئنان، ويبسط الله الرزق مع رحمته فإذا هو متاع طيب ورخاء وإذا هو رغد في الدنيا وزاد في الآخرة ويمسك رحمته عن هذا الرزق، فإذا هو مثار قلق وخوف وإذا هو مثار حسد وبغض، فإنها صنيعة من صنائع المعروف لا تعدلها صنيعة وإنها بر أوصى به الله تعالي بعد توحيده وحث عليه نبيه المصطفي صلى الله عليه وسلم.

وحث عليه وأفاض فيه العلماء والوعاظ والخطباء، إنه بر الوالدين، فإن شجرة بر الوالدين سريعة الإثمار، دانية القطاف، يراها صاحبها عيانا بيانا في دنياه ويدخر له العظيم منها في أخراه، فلماذا تهز فتن الدنيا يقيننا بهذا حتى تميل بنا عن برنا لوالدينا بئست الحياة من غير جميل أو رد جميل وجميل الوالدين أي جميل، فإن بر الوالدين بعد توفيق الله هو سر الفلاح في الحياة والنجاة من كثير من الكروب، به تسعد النفوس وتنشرح الصدور، ويرى البار بوالديه السعادة بأم عينيه، بركة في صحته وماله وذريته، وأكبر دليل علي ذلك هو فصة الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة، وصار كل واحد من الثلاثة يدعو الله بعمل صالح تقرّب به إلى الله حتى فرّج الله عنهم كربهم وخرجوا من هذا الغار، فلقد رأوا الحياة بعد الموت، والنجاة بعد الهلاك إنه قطاف البر وجنى المعروف.

فإنه قطافه وجناه الذي ستراه أيها البار في صلاح أولادك ومحبتهم لك، ورعايتهم لأمهم وحبهم لها، فاهنأ ببرك في دنياك وآخرتك، ولكن ماذا سيجني من عق والديه، غير نكد في العيش وضيق في الصدر وشؤم في الأرزاق وعقوق من الأولاد، فيا ويل تلك النفوس الغليظة على الوالدين إن لم تعد إلى الله تعالي، ويا ويل تلك الأيادي الباطشة بالوالدين إن لم تتب إلى الله عز وجل، ويا ويل تلك الألسنة السليطة على الوالدين إن لم تستغفر الله سبحانه، فقد ربته أمه على ضعف ووهن وسقته من دمها وغذته من لحمها وعظمها، يقوى وتضعف وينام وتسهر، تظلم الدنيا في وجهها إذا أصابه مكروه.

وتبتسم الحياة أمامها إذا ابتسم، تعاف لذائذ المتع من أجل راحته وتؤثره بأحلى الطعام وأهنئ الشراب، تهدهده صغيرا، وترى فيه أملها كبيرا، فإذا بلغ قوته وإشتد ساعده وإنطلق لسانه، زوّجته المرأة التي يحب، ففرحت بفرحته وسعدت أكثر منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى