مقال

قراءة تاريخية لدوافع الهجرة الصهيونية لفلسطين في العهد العثماني(1882م-1914م). الملخص:

جريدة الأضواء المصرية

قراءة تاريخية لدوافع الهجرة الصهيونية لفلسطين في العهد العثماني(1882م-1914م).
الملخص:
بقلم. د . جبري عمر

تعود الأطماع اليهودية في فلسطين إلى منتصف القرن 17م خلال قوة الطبقة الحاكمة لانجلترا اقتصاديا وهم من أصول المذهب البروتستنتي(مذهب المجددين)، هؤلاء كانت تربطهم علاقة قوية باليهود فقدموا لهم تسهيلات مادية للدخول معهم في حركة التجارة العالمية، ليقوم بعدها أصحاب المذهب البروتستنتي بتقديم عريضة للحكومة الانجليزية عام 1649م، من اجل نقل اليهود لموطنهم الموعود في أرض الميعاد بفلسطين.
رغم أن هذه الحركة لم يكن لها أي نتائج إلا أنها كانت بمثابة مؤشر لبداية الاهتمام البريطاني بفلسطين، لتكون الحكومة الفرنسية أول حكومة تقترح توطين اليهود بفلسطين عام 1798م، بهدف إنشاء كمنولث يهودي فرنسي في فلسطين بعد نجاح الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام (1798م-1801م)، لأن فرنسا كانت تعاني من أزمة اقتصادية، طلبت حكومة فرنسا من رجال المال اليهود مساعدتها في تجهيز الحملة العسكرية الفرنسية نحو بلاد مصر والشام.
تدخل سياسة نابليون بونابرت حاكم فرنسا خلال هذه الفترة المتمثلة في دعم اليهود في بلاد الشام وفلسطين من أجل كسب الدعم المادي وتهديد مصالح بريطانيا في قطع الطريق عليها للوصول إلى بلاد الهند، لكن فشلت إستراتيجية نابليون بونابرت في فلسطين بعد هزيمة جيوشه في ميناء مدينة عكا ضد بقيادة حاكمها أحمد باشا الجزار عام 1799م.
بعدها انتقلت الفكرة في توطين اليهود لحكومة بريطانيا التي قامت عام 1838م بفتح أول قنصلية لها في فلسطين لرعاية مصالح اليهود هناك، حيث أرسل “اللورد برملستون” رسالة إلى سفير بريطانيا في الباب العالي عام 1840م يحثه فيها على السماح لليهود بالهجرة لفلسطين لإقامة مستوطنات فيها، كم أكد أيضا “اللورد شافيتسبيري” صاحب مقولة:(أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، على ضرورة إعادة اليهود إلى فلسطين لتحقيق مصالح بريطانيا في الشرق الأقصى، خلق كمنولث يهودي بريطاني في النصف الجنوبي من سوريا وذلك حسب ما جاء في الخارطة التوراتية، كما أكد بعده ونستون تشرشل على أهمية السيطرة على فلسطين في مقدمة كتابه: جبل لبنان الذي صدر عام 1853م.
يعود الدور الكبير لزيادة الدافع في الهجرة الصهيونية لفلسطين من طرف البريطانيين لصندوق “استكشاف فلسطين” الذي أنشئ في لندن عام 1838م بأمر من الملكة فيكتوريا، حيث لعب هذا الصندوق دورا كبيرا في تزويد الساسة والعسكريين البريطانيين بالمعلومات الجغرافية والتاريخية والسياسية التي كانوا يحتاجونها، لكن رفض السلطات العثمانية تسليم فلسطين لليهود أخر مشروعهم الاستعماري، حيث تشير لنا المصادر التاريخية أن عدد اليهود اللذين استوطنوا فلسطين في الفترة الممتدة من 1850م-1882م حوالي 13 ألف يهودي.
تنقسم الهجرة اليهودية لمرحلتين:
1/مرحلة الهجرة اليهودية الأولى 1882م-1904م:
بدأت الهجرة اليهودية الأولى من روسيا نحو أمريكا بعد كثرة الاعتداءات على اليهود لكن البعض منهم قرر الاستيطان في فلسطين بعد أن قام الحاخام “موهيلفر” بشراء مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية الواقعة جنوب منطقة الرملة وأسس فيها مستوطنات لليهود يطلق عليها اسم عكرون، حيث بدأت الأرقام تتضاعف بسبب حادثة اغتيال قيصر روسيا ألكسندر الثاني عام 1880م، التي أعقبها بعد ذلك تورط اليهود في مقتل القيصر ليصاحبها قتل عدد كبير من اليهود في روسيا وأوروبا الشرقية، بهذا تعتبر سنة 1882م تاريخ أول بداية للهجرة اليهودية لفلسطين.
لذلك استغلت الجمعيات الخيرية اليهودية الحادثة وكثفت من عملية التوطين في فلسطين، رغم معارضة الدولة العثمانية للهجرة اليهودية لفلسطين لكن فساد الجهاز الإداري العثماني حال دون ذلك، ليبلغ عدد اليهود المهجرين 30 ألف مهجر في 1882م، ليزامن هذا الحدث إصدار كتاب “الدولة اليهودية لتيودور هرتزل” عام 1896م، لتظهر خلالها ما يعرف سياسيا “بالحركة الصهيونية” حيث عقد المؤتمر الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897م، الذي نتج عنه تأسيس “المنظمة الصهيونية العالمية” وتبعه انعقاد 05 مؤتمرات دولية لليهود في العالم، وتأسيس اليهود لعدة شركات اقتصادية بريطانية وفلسطينية والبنك البريطاني الفلسطيني 1902م.
2/مرحلة الهجرة اليهودية الثانية 1904م-1914م:
مرحلة الهجرة الثانية بدأت من 1904م واستمرت لغاية 1914م بلغ فيها عدد اليهود المهاجرين لفلسطين ما بين 35-40 ألف مهاجر، هي المرحلة التي تولى فيها “رشيد بك” ولاية المقدس وكان من بين مؤيدي الهجرة اليهودية، على اثر الانقلاب العسكري من طرف جماعة الإتحاد والترقي (المجددين) الذين قاموا بالإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني عام 1909م، فتح المجال واسعا لليهود لإدخال عدد كبير منهم وتهجيرهم نحو فلسطين ليبلغ عددهم 85 مهاجر يهودي ألف عام 1914م، كما تمكن مكتب الصندوق القومي اليهودي من شراء أراضي كبيرة لليهود وتمليكها مع شركة تطوير أراضي فلسطين، من بين أبرز قادة الهجرة اليهودية الثانية هم “دافيد بن قورين وإسحاق بن زافي” اللذان فرضا مبدأ مقاطعة التعامل مع اليد العاملة العربية في فلسطين، وبناء ضاحية يهودية في يافا التي سميت مدينة “تل أبيب”.
3/موقف الدولة العثمانية من الهجرة اليهودية لفلسطين (1882م-1914م):
وقفت الدولة العثمانية موقفا معاديا للهجرة اليهودية لفلسطين من خلال قرار السلطان عبد الحميد الثاني الذي رفض كل الإغراءات المالية المقدمة من طرف اليهود وحليفتها بريطانيا، فأصدرت الإدارة العثمانية عدة قوانين للحد من الهجرة اليهودية لفلسطين ومنها قانون الأراضي الذي صدر عام 1858م، لكن اليهود استغلوا الثغرات القانونية وتمكنوا من شراء أراضي كثيرة بوسائط متعددة.
إن قانون رعاية الرعايا المسيحيين داخل أراضي الدولة العثمانية والذي صدر عام 1882م يسمح بتنقل وإقامة اليهود كرعايا أوروبيين في كامل أراضي الدولة العثمانية، قام اليهود باستغلاله لصالحهم مع القنصلية البريطانية في فلسطين، باعتبارهم رعايا لديها.
نظرا لتزايد عدد المهاجرين اليهود لفلسطين أصدرت الدولة العثمانية الوثيقة الحمراء عام 1887م وهي وثيقة مؤقتة تعطي لليهودي القادم لفلسطين مقابل الاحتفاظ بجواز سفره كضمان خلال إقامته في مدة لا تتجاوز 03 أشهر كحد أقصى، هو نفسه القانون الذي طبقه السلطان العثماني على اليهود عام 1830م الذي يسمح لليهودي بزيارة بيت المقدس مقابل دفع مبلغ 50 ليرة تركية لخزينة الدولة العثمانية والخروج من فلسطين بعد انقضاء شهر كامل من الزيارة.
بعدها سمحت السلطات العثمانية لليهود بتقديم طلب لزيارة بيت المقدس عام 1893م وهذا القرار كان بسبب فساد الجهاز الإداري وكثرة تقديم الهدايا والرشاوي للمسئولين العثمانيين هناك، لتقوم السلطات العثمانية عام 1914م بإلغاء القيود المفروضة على تملك اليهود للأراضي الفلسطينية.
يأتي هذا التغير في سياسة الدولة العثمانية نتيجة المتغيرات الإقليمية والدولية وضعف الدولة العثمانية منذ تولي جماعة الإتحاد والترقي (المجددين)، الذين قاموا بالإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني عام 1909م، المعروف بمواقفه المعادية لحركة الهجرة اليهودية في فلسطين.
لولا الدعم الأوروبي لليهود سياسيا واقتصاديا وعسكريا لما نجحت حركة الهجرة اليهودية في تأسيس مستعمراتها بفلسطين، كما ساعدهم رجال الدين والباباوات مثل: “الحاخام زفاي هيرش كاليشر” الذي ألف كتاب “السعي إلى صهيون عام 1861م، و موسى هس اليهودي الألماني صاحب كتاب “روما والقدس” وغيرهم كثيرون ممن دعموا وغذو حركة الهجرة الصهيونية بأفكارهم ومؤلفاتهم التي لاقت رواجا كبيرا في ذلك الوقت.
4-نتائح الورقة البحثية:
من خلال ما سبق لنا ذكره يمكننا أن نستنتج ما يلي:
-استعانت الهجرة اليهودية لفلسطين بالقوى الأوروبية الكبرى من أجل إنجاح مخططها.
-ساهم ضعف الإدارة العثمانية في تسهيل عملية هجرة اليهود من خلال كثرة تلقي الرشاوي من طرف كبار اليهود بحجة بيع الأراضي الفلسطينية لهم، والتي كانت تتم بطرق غير مباشرة.
-الهجرة اليهودية نجحت بنجاح الحركة الصهيونية التي امتدت سياسيا واقتصاديا من خلال المؤسسات المالية التي أنشأتها لامتلاء وشراء أراضي فلسطينية.
-ساهمت جماعة الإتحاد والترقي (المجددين) من خلال لإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني عام 1909م، الذي عرف بمواقفه المعادية للهجرة اليهودية في إنجاح مشروع الهجرة اليهودية لفلسطين.
بقلم: د.جبري عمر
أستاذ محاضر بجامعة محمد البشير الإبراهيمي برج بوعريريج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى