توبة ممثل مشهور

توبة ممثل مشهور
وخلال رحلة “يونس” الفنية على مدى ما يربو على ربع قرن من الزمان، مثَّل خلالها للإذاعة والتلفزيون والمسرح أدواراً متنوعة من أفلام الأكشن والكوميدي والتراجيدي، وجسَّد خلال هذه الرحلة الكثير من المآسي والملاهي والملاحم.
لم يكن لدى “يونس” وقتٌ للنظر في سيناريوهات الأعمال المعروضة عليه، لكنه كان ينظر مَليّاً في أرقام الأجور المقترحة له؛ لذا قلَّما كنتَ تجده يرفض عملاً، أو يعتذر عن عرض، فكان يقبل معظم الأدوار التي طُرحت بين يديه سافلها ونبيلها، وضيعها ورفيعها.
واختتم “يونس” ذلك كله بأعمال تعزف على قيثارة المثلية والإلحاد، وتهاجم الأديان وتزدريها، وتسيء إلى المتدينين وتخلع عليهم صور الغلو والتنطع، وتُلصق بهم تُهم الانحراف والتطرف والإرهاب.
وذات ليلةٍ نام “يونس” بعد تفكير طويل في اعتزال الفن، فإذا به يرى في المنام أنه داخل جامع كبير، فيه داعيتان أحدهما دكتور شهير له حلقة كبيرة منقولة مباشرة على الهواء، والآخر صوفي مغمور كانت حلقته صغيرة تخلو من التصوير والبهرجة والبث والتسجيل.
توجه “يونس” بعد انتهاء تصوير الحلقة على الفور صوب الداعية الدكتور المشهور؛ ليسأله عن كيفية التوبة وصحتها وقبولها..
يونس: دكتور، أنا يونس الحربي الفنان.
الدكتور: أعرفك وهل يخفى القمر؟
يونس: تراودني نفسي بالاعتزال والتوبة.. فما الطريق.. وكيف العمل؟
الدكتور: كلنا معاصٍ وذنوب فمِن أي شيء تريد أن تتوب؟ ثم هل يتوب أحدٌ من رسالة توعية للناس وتخفيف.. وإسعاد للمجتمع وتثقيف؟
يونس: أَزْرَتْ بي أعمالٌ كانت بعيدةً عن هادف قِيم الفن ونبيل رسالته!
الدكتور: نَحِّ التافه والطالح عن أعمالك المقبلة واحصرها فقط في النافع والصالح.
يونس: وماذا عن الأعمال الكثيرة الماضية.. الوضيع منها والقبيح؟
الدكتور: تُب عنها، واعتذر منها، واستبدل بها أعمالاً أخرى قيمة فنياً، وهادفة اجتماعياً، وخصص سلسلة برامج ومحاضرات تعتذر فيها عن ماضٍ شائن، وتواصل من خلالها توعية المجتمع والناس.
يونس: سأفكر في الأمر برويّة، ثم أتصل بكم للتنسيق والعمل.
انطلق كلٌّ من الداعية الدكتور والفنان إلى طريقه، ثم بعد خروج “يونس” من الجامع الكبير، حدثته نفسه أن يعود ليسأل الشيخ الصوفي المغمور عن قضيته ومشكلته لكي يطمئن قلبه أكثر.
يونس: مساء الخير، أنا يونس حربي الفنان.
الشيخ: مرحباً بـ”يونس” العبد.. الإنسان.
يونس: ألا تعرفني؟
الشيخ: يُعرف المرء بسلوكه وعمله.
يونس: قد عزمتُ التوبة والاعتزال!
الشيخ: ومن أي شيء ستتوب؟
يونس: من التمثيل والفن.
يونس: هذا يعني أن أعود صُعلوكاً كما بدأتْ!
الشيخ: وأن تتطهر من أدران الشهرة والمجد.
يونس: سأُجسد أعمالاً دينية وأُلقي محاضراتٍ إسلامية.
الشيخ: يا مسكين، لا تصلح شهرُتك في طريق الدعوة للدين، أنت لا تُحسن قراءة صفحة واحدة من القرآن الكريم، ولا تعلم شيئاً عن أصولٍ وفروع، وحواشٍ وشروح، ولا تدري شيئاً عن علوم القرآن، ولا عن فقهٍ وتفسيرٍ، وسُنَّةٍ وحديث، وسِيَرٍ وأعلام، فضلاً عن لغة ونحو وتراجم، وفلسفة وفكر وبلاغة وبيان، وشريعة وحقيقة.
يونس: بعض الفنانين من زملائي اعتزلوا وتابوا واستأنفوا صالح الأعمال وتواصلوا مع البرامج والأضواء؟
يونس: فماذا عليَّ أن أعمل الآن لتصحَّ أوبتي وتُقبل توبتي؟
يونس: والأدوار النافعة والشخصيات والأعمال الدينية الصالحة؟
يونس: دعني أفكر، ثم أتصل بك للتنسيق والعمل.
الشيخ: في أمان الله، لكن تذكر يا يونس: المتلفت لا يصل، والله لا يُخدع، وهو طيب لا يقبل إلا طيباً.