
الدكروري يكتب عن العقل البشرى
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن العقل البشرى هبة كبرى من الله تبارك وتعالى ولكن هذا العقل هو أشبه بالحاسب الآلي فإذا زودناه بطريقة صحيحة عمل بطريقة صحيحة إذا زودناه بمعلومات خاطئة فإنه يعمل بطريقة خاطئة، ولو أنك فى برنامج طبى وضعته على حاسب آلى وذكرت فى هذا البرنامج أن نسبة الحريرات فى الماء عالية أو قلت أن السكر يرفع الضغط مثلا وهذه معلومات طبعا خاطئة فإن الحاسب الآلى سيعطيك نتائج خاطئة بناء على هذا الذى تعطيه إياه، أيضا العقل البشرى حينما نزوده بمعارف خاطئة، بخبرات خاطئة أو مشوهة أو ناقصة فإنه فى النهاية سوف يعطينا مخرجات مشوهة، وسوف نحصل منه على نتائج مشوهة، وإن الآن المعرفة فى العالم كله تتقدم وتتسع وتتناسخ متوقع أنه مابين عشر إلى خمسة عشر سنة.
يتم تجديد كثير من المعارف الموجودة والآن يدخل عليها تجديدات وتعديلات وهذا العقل البشرى لا يستطيع أن يعمل من غير معرفة، فإن المعرفة هي الأداة التى يشتغل عليها ما لدينا من أفكار ما لدينا من مفاهيم ما لدينا ومن معلومات وما لدينا من صور ذهنية وهذه كلها تغذى العقل وبناء عليها يشتغل العقل، ومثال فى هذا وهو مفهوم التدين فإن كثير من المسلمين يفهم التدين فهما محدودا أو فهما جزئيا، وقيل أن الدين المعاملة فإذا كانت معاملتك مع الناس معاملة جيدة فأنت متدين، ومن المسلمين من يقول التدين، فإن الحقيقى هو صفاء القلب، فإذا كان قلبك صافيا فلا تشغل بالك بأشياء أخرى، ومن المسلمين من يقول التدين الحقيقى هو الخلق الحسن فإذا كانت أخلاقك حسنة فإذا أنت متدين حقيقى.
ولا شك أن للتعامل المالى المستقيم والنظيف مع الناس قيمة فى الإسلام، ولا شك أن لصفاء القلوب قيمة فى الإسلام، ولا شك أيضا أن للخلق الحسن قيمة فى الإسلام، ولكن هذا ليس هو كل الإسلام فإن هناك صوم وهناك صلاة وهناك حج وهناك زكاة وهناك بر للوالدين وهناك صدقة وهناك حلم وهناك أشياء كثيرة وهذه كلها تشكل أجزاءا من التدين ويقول الله تعالى ” أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله” وسقاية الحجاج وعمارة المسجد أو المساجد هذا جزء من التدين، ولكنه لا يعدل الإيمان ولا يعدل الجهاد في سبيل الله، وهناك مثالا آخر وهو قضية التربية فإن كثير من المسلمين الآن يعتقد أن رسالته الأساسية أن يؤمن لأطفاله ما يحتاجونه من مطعم.
ومن ملبس ومن مسكن وأن هذه هى مهمته الأساسية وهو لا يوبخ نفسه أو لا يؤنبه ضميره أو لا يشعر أنه مقصر إذا لم يهتم بتعلم أولاده أو بكتابتهم لواجباتهم أو بمطالعتهم بتهذيبهم بهدايتهم فهو لا يشعر أنه مقصر فى هذا لأن مفهومه عن التربية قاصر ولذلك سلوكه قاصر، فإن عقولنا وتفكيرنا حينما نزوده بمعرفة ناقصة أو بمعرفة مشوهة فإن نظرته للحياة بعد ذلك تصبح نظرة مشوهة وناقصة، فإنه يولد الإنسان فى هذه الحياة صفحة بيضاء نقية، الفطرة صبغته، والطهارة طبيعته، فتستقبله الحياة بطبيعتها وبيئتها، وتساهم في تكوينه بسلوكيات تجمعاتها، وأفكار مجتمعاتها وأول محطة له في حياته أسرته التي ولد فيها، وبيته الذي احتضنه، فيكون أول ما تسود به صحيفته، ويبنى عليه فكره، ما يستقبله من أبويه.
وما يجد عليه أهله، وبعد الأسرة، ويأتى المجتمع الذى يمد يديه إلى عجينة هذا الناشئ، فيشارك بقدر ما فى تشكيله وتكوينه فيكون الإنسان ابنا لبيئته، وغصنا فى شجرة مجتمعه، متطبعا بطبائع من حوله، وهنا يأتى سؤال شائك، زلت عنده أقدام، وضلت به أفهام، وهو أيؤاخذ الإنسان على أخطاء بيئته ومجتمعه إن نشأ فيها وغذى بلبانها، فسار على مناهجها؟