مقال

الدكروري يكتب عن خلق الوفاء بالعهد في واقعنا المعاصر ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن خلق الوفاء بالعهد في واقعنا المعاصر ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وأول واجب فرضه الله من حقوق الخلق البر بالوالدين والوفاء لهما، أنه قال تعالى ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا” ومن الوفاء لهما هو الدعاء لهما فقال تعالى ” وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا” وطاعتهما في غير معصية، وفعل الجميل معهما، وإدخال السرور على نفوسهما، وأما الوفاء بين الأزواج، فالوفاء بين الزوجين، يجعل الأسر مستقرة، والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء، والعسر واليسر، وما أجمل وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، وأما عن الوفاء بالعهد مع غير المسلمين، فقد أوصانا الإسلام برعاية حقوق غير المسلمين المقيمين في ديار الإسلام، مع حفظ حقوقهم كاملة، وفي مقدمتها الأمان لهم، وحرم الإسلام الاعتداء على أعراضهم وممتلكاتهم، وأماكن عبادتهم، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.

 

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من قتل معاهدا، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما” رواه البخاري، وقال ابن حجر، قوله “من قتل معاهدا” المراد به من له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم” وأما عن الوفاء في سداد الدين، وهو من أهم صور الوفاء المفتقدة في هذا الزمان لهذا حثنا الشرع الحكيم على الوفاء بالدين، فعن أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها، أتلفه الله” رواه البخاري، ومعنى أدى الله عنه، أى يسّر الله تعالى له ما يؤدي منه من فضله، وأرضى صاحب الدين في الآخرة، إن لم يستطع المدين الوفاء بدينه في الدنيا، ومعنى أتلفه الله أذهب الله تعالى ماله في الدنيا، وعاقبه على الدين يوم القيامة، وما أجمل قصة وفاء الرجل من بني إسرائيل الذي أوفى عهده.

 

ووعده في قضاء الدين لما طلب الدائن منه كفيلا ووكيلا فوكل الله، فسدد الله عنه بعد ما بعث الدين في خشبة مع البحر والقصة بطولها في صحيح البخاري، وأما عن الوفاء بالنذر وهو من صفات الأبرار في قوله تعالى فى سورة الإنسان ” يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا” وأما عن الوفاء مع الأولاد، وذلك إذا عاهدت ولدك إن تفوق في الدراسة وحفظ القرآن أن تعطيه كذا وكذا، فعليك أن توفي بعهدك ووعدك حتى تنشئه عمليا على هذه القيم النبيلة، وأما عن الوفاء للوطن الذي نعيش فيه، وذلك بالحفاظ على معالمه وآثاره ومنشآته العامة والخاصة والحفاظ على مياه نيله التي تربينا عليه وروينا منها أكبادنا وعدم الإفساد في أرضه أو تخريبه وتدميره وعدم قتل جنوده وحراسه الذين يسهرون ليلهم في حراستنا وحراسة أراضينا والذين تمتد إليهم يد الغدر والخيانة بين الحين والحين، فعن الأصمعي قال إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل.

 

ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه” ولنا الأسوة في نبينا صلى الله عليه وسلم ووفائه لوطنه مكة فقال وهو يودعها وفاء لها ” والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت” رواه الترمذي، وأيضا الوفاء بإعطاء الأجير أجره، فكثير من الناس يبخس حق الأجير ويماطله فيه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقة ” رواه ابن ماجه، وأيضا وفاء العامل بعمله وذلك بأن يعمل العامل، ويعطي العمل حقه باستيفائه خاليا من الغش والتدليس، ففي دفن أحد الصحابة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” سووا لحد هذا” حتى ظن الناس أنه سنة، فالتفت إليهم، فقال طأما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره، ولكن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن” رواه البيهقي.

 

إن معرفة الدنيا لا تكفيك ما لم تعرف حقيقة الدنيا المذمومة ما هي؟ وما الذي ينبغي أن يجتنب منها وما الذي لا يجتنب؟ فلا بد وأن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها لكونها عدوة قاطعة لطريق الله عز وجل، ونقول هي دنياك، وآخرتك عبارة عن حالتين من أحوال قلبك، فالقريب الداني منها يسمى دنيا، وهو كل ما قبل الموت، والمتراخي المتأخر يسمى آخره، وهو ما بعد الموت، فكل ما لك فيه حظ ونصيب، وغرض وشهوة، ولذة عاجل الحال، قبل الوفاة فهي الدنيا في حقك، إلا أن جميع مالك إليه ميل، وفيه نصيب وحظ، فليس مذموم بل هو ثلاثة أقسام، فالأول هو ما يصحبك في الآخرة، وتبقى معك ثمرته بعد الموت، وهو شيئان، العلم والعمل فقط، والمراد بها ما يكون من علوم الشريعة والدين لا علوم الدنيا، والعمل ما أريد به التعبد لله كالصلاة، والحج، والصوم، والأكل، والشرب، وغيره، فهذا مطلوب لا يذم أبدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى