مقال

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الاعتكاف، ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته من التقبيل واللمس لشهوة، فإذا أنزل بجماع ونحوه بطل اعتكافه, أما القبلة واللمس بشهوة فقد قال أبو حنيفة وأحمد أنه قد أساء لأنه قد أتى بما يحرم عليه، ولا يفسد اعتكافه إلا أن ينزل، وقال مالك يفسد اعتكافه لأنها مباشرة محرمة فتفسد كما لو أنزل، وعن الشافعي روايتان كالمذهبين، وقال ابن رشد وسبب اختلافهم، هل الاسم المشترك، بين الحقيقة والمجاز له عموم أم لا وهو أحد أنواع الاسم المشترك، وأما خروجه من المسجد فإن كان ببعض بدنه فلا بأس به لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض” وإن كان خروجه بجميع بدنه فهو على ثلاثة أقسام، فالأول هو الخروج لأمر لا بد منه طبعا أو شرعا كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب.

 

والغسل الواجب لجنابة أو غيرها والأكل والشرب، فهذا جائز إذا لم يمكن فعله في المسجد، فإن أمكن فعله في المسجد فلا، مثل أن يكون في المسجد حمام يمكنه أن يقضي حاجته فيه وأن يغتسل فيه، أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه، والثاني وهو الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك، فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه، مثل أن يكون عنده مريض يحب أن يعوده أو يخشى من موته، فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به، والثالث وهو الخروج لأمر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء وجماع أهله ومباشرتهم ونحو ذلك، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه، ومن شرع في الاعتكاف متطوعا ثم قطعه استحب له قضاءه, وقيل يجب.

 

وقال الترمذي واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى، فقال مالك إذا انقضى اعتكافه وجب عليه القضاء، واحتجوا بالحديث “أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشرا من شوال” وقال الشافعي إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شيء أوجبه على نفسه وكان متطوعا, فخرج فليس عليه قضاء، إلا أن يحب ذلك اختيارا منه، وقال الشافعي إذا دخلت فيه وخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة، أما من نذر أن يعتكف يوما أو أياما ثم شرع فيه وأفسده وجب عليه قضاؤه متى قدر عليه باتفاق ألائمة، فإن مات قبل أن يقضيه لا يقضى عنه، وعن الإمام أحمد قال أنه يجب على وليه أن يقضي ذلك عنه، وإن للاعتكاف جملة من الآداب يحسن بالمعتكفين مراعاتها، والأخذ بها ليكون اعتكافهم كاملا مقبولا بإذن الله, وهذه الآداب هي استحضار النية الصالحة.

 

واحتساب الأجر على الله عز وجل، واستشعار الحكمة من الاعتكاف، وهي الانقطاع للعبادة، وجمعيّة القلب على الله تعالى، وألا يخرج المعتكف إلا لحاجته التي لا بد منها، والمحافظة على أعمال اليوم والليلة من سنن وأذكار مطلقة ومقيّدة، كالسنن الرواتب، وسنة الضحى، وصلاة القيام، وسنة الوضوء، وأذكار طرفي النهار، وأذكار أدبار الصلوات، وإجابة المؤذن، ونحو ذلك من الأمور التي يحسن بالمعتكف ألا يفوته شيء منها، والحرص على الاستيقاظ من النوم قبل الصلاة بوقت كاف، سواء كانت فريضة، أو قياما لأجل أن يتهيأ المعتكف للصلاة، ويأتيها بسكينة ووقار وخشوع، والإكثار من النوافل عموما، والانتقال من نوع إلى نوع آخر من العبادة لأجل ألا يدب الفتور والملل إلى المعتكف فيمضي وقته بالصلاة تارة، وبقراءة القرآن تارة، وبالتسبيح تارة، وبالتهليل تارة، وبالتحميد تارة.

 

وبالتكبير تارة، وبالدعاء تارة، وبالاستغفار تارة، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تارة، وبقول لا حول ولا قوة إلا بالله تارة، وبالتدبر تارة، وبالتفكر تارة، وهكذا، وأيضا اصطحاب بعض كتب أهل العلم، وخصوصا التفسير حتى يستعان به على تدبر القرآن، والإقلال من الطعام، والكلام والمنام فذلك أدعى لرقة القلب، وخشوع النفس، وحفظ الوقت، والبعد عن الإثم، والحرص على الطهارة طيلة وقت الاعتكاف، وأن يحسن بالمعتكفين أن يتواصوا بالحق، وبالصبر وبالنصيحة والتذكير, وأن يتعاونوا على البر والتقوى، والإيقاظ من النوم، وأن يقبل بعضهم من بعض، وبالجملة فليحرص المعتكف على تطبيق السنة، والحرص على كل قربة، والبعد عن كل ما يفسد اعتكافه أو ينقص ثوابه، وكما أن هناك تنبيهات لأمور تصدر من بعض المعتكفين ينبغي تجنبها ليكون الاعتكاف تاما مؤديا الغرض على أكمل وجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى