
الدكروري يكتب عن عدلت شهادة الزور الشرك بالله ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع عدلت شهادة الزور الشرك بالله، فمتى ثبت عند القاضي أو الحاكم عن رجل أنه شهد بزور عمدا عزره باتفاق الفقهاء، مع اختلافهم في كيفية التعزير، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن شهادة الزور لا تثبت إلا بالإقرار لأنه لا تتمكن تهمة الكذب بغير إقرار على نفسه أو بأن يشهد بما يقطع بكذبه، بأن يشهد على رجل بفعل في مصر في وقت، ويعلم أن المشهود عليه في ذلك الوقت كان في بلد آخر، أو يشهد على رجل أنه فعل شيئا في وقت، وقد مات قبل ذلك، أو لم يولد إلا بعده، وأشباهها مما يتيقن بكذبه، ويعلم تعمده لذلك،وكذلك شهادة الزور لا تثبت بالبينة، لأنها نفي لشهادته، والبينة حجة للإثبات دون النفي، وقد تعارضت البينتان، فلا يعزر في تعارض البينتين، أو ظهور فسقه أو غلطه في الشهادة لأن الفسق لا يمنع الصدق.
والتعارض لا يعلم به كذب إحدى البينتين بعينها، ولا غلط قد يعرض للصادق العدل، ولا يتعمده فيعفى عنه، وقد قال الله تعالى فى كتابه العزيز كما جاء فى سورة الأحزاب ” وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت به قلوبكم” وقال الشيرازي من الشافعية، وابن فرحون من المالكية، تثبت شهادة الزور من ثلاثة أوجه، أحدها وهو أن يقر أنه شاهد زور، والثانى وهو أن تقوم البينة على أنه شاهد زور، والثالث وهو أن يشهد ما يقطع بكذبه، وإذا ثبت ذلك بالبينة، فعليه العقوبة، سواء أكان ذلك قبل الحكم أم بعده،، وأما عن كيفية عقوبة شاهد الزور، فإنه لما كانت الشريعة لم تقدر عقوبة محددة لشاهد الزور، فإن هذه العقوبة هي التعزير، وقد اختلف الفقهاء في عقوبة شاهد الزور، من حيث تفصيلات هذه العقوبة، لا من حيث مبدأ عقاب شاهد الزور التعزير.
إذ إنه لا خلاف عند الفقهاء في تعزيره، وإذا ثبت عند الحاكم عن رجل أنه شهد بزور عمدا، عزره وجوبا وشهّر به، لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبه قال شريح، وسلام بن عبد الله، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وقد اختلفوا في كيفية التعزير، فقال الشافعية والحنابلة وبعض المالكية هو تأديب شاهد الزور مفوض إلى رأي الحاكم، إن رأَى تعزيره بالجلد، جلده، وإن رأى أن يحبسه أو كشف رأسه وإهانته وتوبيخه، فعل ذلك، ولا يزيد في جلده على عشر جلدات، وقال الشافعى “لا يبلغ بالتعزيز أربعين سوطا” وأما كيفية التشهير به بين الناس، فعن الحاكم، قال يوقفه في السوق إن كان من أهل السوق، أو محل قبيلته إن كان من أهل القبائل، أو في مسجده إن كان من أهل المساجد، ويقول الموكل به إن الحاكم يقرأ عليكم السلام.
ويقول هذا شاهد زور، فاعرفوه، ولا يُسخم وجهه، أى يُسوّده لأنه مثله، وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن المثلة، ولا يركبه مقلوبا، ولا يكلف الشاهد أن ينادى على نفسه، وفي الجملة ليس في هذا تقدير شرعى، فللحاكم أن يفعل ما يراه، ما لم يخرج إلى مخالفة نص أو معنى نص، وقال أبو يوسف ومحمد وبعض المالكية، أنه إذا ثبت عند القاضي أو الحاكم عن رجل أنه شهد بالزور، عوقب بالسجن والضرب، ويطاف به في المجالس، لما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه ضرب شاهد زور أربعين سوطا، وسخم وجهه، وعن الوليد بن أبي مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمّاله بالشام، إذا أخذتم شاهد الزور، فاجلدوه بضربه أربعين سوطا، وسخّموا وجهه، وطوفوا به حتى يعرفَه الناس، ويحلق رأسه ويطال حبسه لأنه أتى كبيرة من الكبائر.
وقد قرن الله سيحانه وتعالى بين شهادة الزور وبين الشرك، فقال فى سورة الحج ” فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور” ولأن هذه الكبيرة يتعدى ضررها إلى العباد بإتلاف أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا أَقَر الشاهد أنه شهد زورا، يشهّر به في الأسواق إن كان سوقيا، أو بين قومه إن كان غير سوقي، وذلك بعد صلاة العصر في مكانِ تجمع الناس، ويقول المُرسل معه إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه، وحذروه الناس، ولا يعزّر بالضرب أو الحبس لأن شريحا كان يشهر شاهد الزور ولا يعزّره، وكان قَضاياه لا تخفى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكرا، ولأن المقصود هو التوصل إلى الانزجار، وهو يحصل بالتشهير، بل ربما يكون أعظم عند الناس من الضرب، فيكتفى به، والضرب.