مقال

مقياس الرجولة عند البشر ” جزء 10″

مقياس الرجولة عند البشر ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر مع مقياس الرجولة عن البشر، وإن الأدب مع الله هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرا وباطنا، ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله، إلا بثلاثة أشياء، معرفته سبحانه بأسمائه وصفاته، ومعرفة بدينه وشرعه وما يحب ويكره، وثالث ذلك نفس مستعدة قابلة لينة، متهيئة لقبول الحق علما وعملا، وأما الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فالقرآن مملوء به، ورأس ذلك عباد الله التسليم له والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق، وأن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو وينهي ويأذن، كما قال الله تعالى في سورة الحجرات ” يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله” أي لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر، عباد الله وهذا باقي إلى يوم القيامة، فالتقدم بين يدي سنته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.

 

كالتقدم بين يديه هو صلى الله عليه وسلم في حياته، وأما الأدب مع الخلق، فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم، فلكل مرتبته من الأدب، فمع الوالدين أدب خاص، ومع العالم أدب خاص، ومع الأقران أدب وهكذا، ولكل حال من الأحوال أدب، فللأكل آدابه وللشرب آدابه، وللركوب والدخول والخروج والسفر والإقامة والنوم آدابها، ولقضاء الحاجة آدابه، وللكلام آدابه وللسكوت والاستماع آدابه، والأدب هو الدين كله، إذ الدين عباد الله، إذ الدين هو دين الأدب الرفيع في أوامره الحكيمة وإرشاداته القويمة وتوجيهاته العظيمة، رزقنا الله وإياكم التأدب بآداب الإسلام والتمسك بآداب الشريعة، ونسأله جلت قدرته أن يرزقنا وإياكم أحسن الأخلاق والآداب لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو، وأن يغفر لنا ولكم ولوالدينا،

 

وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنه هو الغفور الرحيم، وإن الإسلام هو دين لا يعرف الواسطة، فقد سرقت امرأة مخزومية كانت تجحد العارية وبنو مخزوم أسرة فارهة ضخمة من أسر قريش المشهورة، فلما جحدت هذه المرأة الحلي، رفع أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال حكم الله عز وجل، قطع يدها، فقامت قيامة بني مخزوم، وقالوا توسمنا العرب بأن امرأة منا سرقت، لا، والله لا يكون هذا، واجتمعوا وسهروا الليالي الطويلة، وأداروا الرأي، وفي الأخير من الذي يشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الذي ينشر القضية؟ ارتبكوا أيما ارتباك، وفي الأخير قالوا نذهب إلى أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، ونعرض عليه القضية لعله أن يرفعها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

وقد أتوا إلى الإمام علي بن أبي طالب فغضب ورفض واحمر وجهه، وقال ويلكم أتشفعون في حد من حدود الله، فأتوا إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروها الخبر، فقالت ويلكم وغضبت وتحرك إيمانها في قلبها، وقالت من يشفع في حدود الله؟ وفي النهاية ذهبوا إلى أسامة رضي الله عنه وأرضاه، وهو شاب غر فطن في الثالثة عشر من عمره، فعرضوا عليه الرأي، فاستحسن الفكرة وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس أمامه، فقال له صلى الله عليه وسلم وأسامة خجول لا يستطيع أن يتكلم بما في صدره، فقال له صلى الله عليه وسلم ماذا في صدرك؟ قال يا رسول الله المرأة المخزومية التي حكمت عليها بقطع يدها نريد أن تعفو عنها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام على ركبتيه ورفع صوته على أسامة.

 

وقال “ويحك وجئت تشفع في حد من حدود الله” وقيل أنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “إذا بلغت الحدود الإمام فلعن الله الشافع والمشفع” أي بمعني إذا بلغت السلطان أو القاضي الحدود كحد الزنا، أو حد شرب الخمر، أو حد القتل، أو حد السرقة، فأتى أناس يتشفعون من الوجهاء والمسئولين، فلعن الله هذا الشافع الذي تشفع ولعن الله من قبل الشفاعة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس، وأتى الصوت يدوي في المدينة ” الصلاة جامعة، الصلاة جامعة” ولا يجتمع الناس إلا لأمر فظيع خطير في الإسلام، فلما اجتمعوا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المنبر ليبين أن هذا حكم الله، وأن هذه فريضة الله، وأن هذه شريعة الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، “يا أيها الناس إنما أهلك الذين كانوا من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله ووالله وتالله وبالله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها” فهذا هو الدين الإسلامي الحنيف .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى