الحمد لله الذي بين لنا أفضل المسالك وأحسن الآداب ووفق من شاء من عباده لسلوكها وهو الحكيم الوهاب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وإليه المرجع والمآب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قام بالأخلاق الفاضلة، وأتمها، وحذر أمته من سفاسفها وأرذلها صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بآدابه، وانتهجوامناهجه، وسلم تسليما أما بعد ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة وكتب الفقه الإسلامي الكثير عن قبلة المسلمين وكيف يتوجهون في صلاتهم إلي القبلة الصحيحة، فتقول سائلة ذهبت أنا وزجي إلي بلده غريبة عنا وإستأجرنا مسكنا فسألنا حينها عن القبلة، فأخبرنا بها صاحب المكان، ثم بعد مرور يوم ونصف إكتشفنا بعد ذهاب زوجي للمسجد أن القبلة كانت خطأً فاتجهنا إليها بعد معرفتها في الصلوات اللاحقة.
فهل يجب علينا إعادة الصلوات السابقة؟ أم لا؟ وكانت الإجابة من العلماء والفقهاء وهو إذا تبين للمصلي الخطأ في القبلة بعد الصلاة فإن كان الإنحراف يسيرا فلا إعادة عليه، وإن كثيرا كإستدبار القبلة أو جعلها على اليمين أو اليسار فتجب إعادة الصلاة، وإذا كان صاحب المكان الذي إعتمدتم على خبره مسلما غير معروف الفسق فلا حرج عليكم في الإعتماد على خبره، ثم إذا كان الإنحراف يسيرا لا يصل إلى الحد الذي يبطل الصلاة فلا إعادة عليكم، وإن كان الإنحراف كثيرا كاستدبار القبلة أو جعلها عن اليمين أو اليسار فعليكم إعادة الصلوات السابقة التي صليتموها لغير القبلة، واعلموا أن تحويل القبلة حدث يؤكد وسطية أمة الإسلام، ويؤكد العلاقة الوثيقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى المباركين، حيث كان تحويل قبلة الصلاة من المسجد الأقصى.
إلى البيت الحرام بمكة حدثا فارقا في تاريخ المسلمين، ونقطة تحول في مسار الأمة الإسلامية، وقد تعددت الفوائد والدروس والعبر من هذه الواقعة، والتي يمكن أن نستفيد منها على المستويين الشخصي والمجتمعي وإذا نظرنا جميعا إلي أحوال الناس في العموم، فسنجد أنه يخشى الموظف من غضب رئيسه ومديره عليه في العمل، ويحاول جاهدا إرضاءه والتلطف معه، لئلا يكتب فيه تقريرا يحرمه من علاوة أو ترقية، ويخشى العامل الذي يعمل في الدول العربية من غضب كفيله عليه، فيحاول أن يتلمس رضاه لئلا ينهي عقده، وتخشى الزوجة غضب زوجها عليها، فتحرص على حسن معاملته لئلا يطلقها، ويخشى الطالب غضب مدرسه عليه، فتراه يتلمس مرضاته بمتابعة الشرح وأداء الواجبات، لئلا يحرمه من درجات السلوك والمشاركة أو يبخسه حقه في تصحيح الإمتحان.
وتخشى الدول الضعيفة غضب الدول القوية، فتراها تتنازل عن كثير من آرائها وسياساتها وأحيانا عن بعض مبادئها بحثا عن رضاهم وإتقاء لغضبهم، وهكذا فالكل يخشى غضب من هو أقوى منه، لئلا يبطش به أو يمكر به من حيث يشعر أو لا يشعر، ويحاول أن يرضيه بتلمس ما يحبه وما يهواه، ولكن هل إتقينا جميعا سخط الله عز وجل؟ وهل عرفنا كيف نتقي غضب الله عز وجل؟ وإن الجميع يعلم أن إتقاء غضب الله عز وجل يتمثل في تقوى الله وعدم معصيته، ولكن هناك العديد من المعاصي أكد عليها الباري عز وجل في كتابه دون غيرها بأنها تغضبه، ومعاص أخرى حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته بأنها تغضب الله عز وجل أيضا، ومتى ما وقع العبد فيها فقد يقع في غضب الله الشديد، ومتى ما حل على العبد غضب الله فقد هوى، ألم تسمعوا قول الله تعالي
” ومن يحلل عليه غضبي فقد هوي ” وإن غضب الله عز وجل ليس كغضب أحدنا، فإذا غضب الله على عبده عذبه وانتقم منه، فقد سأل أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام أنه يعيش في أرض مليئة بالضب، وأنه عامة طعام أهله، فهل يجوز أكله؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام ” يا أعرابي إن الله لعن أو غضب علي سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض فلا أدري لعل هذا منها فلست آكلها ولا أنهي عنها ” رواه مسلم، فعندما غضب الله تعالي على هذا السبط مسخهم الله دوابا عياذا بالله، وتفكروا رحمكم الله في دولة فرعون، فعندما أغضبوا الله تعالى انتقم منهم وأغرقهم في البحر، حيث قال تعالى ” فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ” ولهذا قال عمر بن ذر رحمه الله تعالى “يا أهل المعاصي لا تغتروا بطول حلم الله عنكم، واحذروا أسفه أي غضبه، فإنه تعالى ذكره فقال ” فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم