مقال

الإنسان والإستغناء عن الصبر

الإنسان والإستغناء عن الصبر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 5 يناير 2025
الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا، ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شغلا، وسهل لهم طرقها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا، وكمل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا، الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا، وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والحمد لله الذي رضى من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أما بعد إن الإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال، فقال الإمام الغزالي رحمه الله اعلم أن جميع ما يلقى العبد في هذه الحياة لا يخلو من نوعين.

إحداهما هو الذي يوافق هواه والآخر الذي لا يوافقه وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منهما فما يوافق هواه وهو الصحة والسلامة والمال والجاه وكثرة العشيرة وجميع ملاذ الدنيا وما أحوج العبد إلى الصبر على هذه الأمور، فإنه إن لم يضبط نفسه عن الإسترسال والركون إليها والإنهماك في ملاذها المباحة منها، أخرجه ذلك إلى البطر والطغيان، ولما فتحت أبواب الدنيا على الصحابة رضي الله عنهم قالوا إبتلينا بفتنة الضراء فصبرنا وإبتلينا بفتنة السراء فلم نصبر، فالرجل كل الرجل من يصبر على العافية، ومعنى الصبر عليها أن لا يركن إليها، ولا ينهمك في التنعم واللذة واللهو واللعب، وما لا يرتبط هجومه بإختياره وله إختيار في دفعه كما لو أذى بفعل أو قول وجُني عليه في نفسه أو ماله فالصبر على ذلك بترك المكافأة وقال بعض الصحابة رضوان الله عليهم.

ما كنا نعد إيمان الرجل إيمانا إذا لم يصبر على الأذى، وقال تعالى “ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون” وقال العلامة ابن القيم رحمه الله ما دام قلم التكليف جاري عليه لا يستغني عن الصبر، فإنه بين أمر يجب إمتثاله وتنفيذه ونهي يجب عليه إجتنابه وتركه وقدر يجب عليه الصبر عليه إتفاقا ونعمة يجب عليه شكر المنعم عليها وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه فالصبر لازم له إلى الممات، وإن من نواع الصبر هو الصبر عن المعصية، حيث قال الإمام الغزالي رخمه الله تعالي المعاصي فما أحوج العبد إلى الصبر عنها وأشد أنواع الصبر هو الصبر عن المعاصي التي صارت مألوفة فإذا إنضافت العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان فلا يقوى باعث الدين على قمعها ثم إن كان ذلك الفعل مما تيسر فعله كان الصبر عنه أثقل على النفس.

كالصبر عن معاصي اللسان من الغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا، واعلم أن الذي أنزل الداء أنزل الدواء ووعد الشفاء، فالصبر وإن كان شاقا أو ممتنعا فتحصيله ممكن بمعجون العلم والعمل، فالعلم والعمل هما الأخلاط التي منها تركب الأدوية لأمراض القلوب كلها، والعبد إذا إفتقر إلى الصبر عن شهوة الوقاع وقد غلبت عليه الشهوة فباعث الشهوة سبيل تضعيفه ثلاثة أمور أحدها أن ينظر إلى مادة قوتها وهي الأغذية الطيبة المحركة للشهوة، فلا بد من قطعها بالصوم مع الإقتصاد عند الإفطار على طعام قليل، وأما الثاني قطع أسبابه المهيجة فإنه إنما يهيج بالنظر إلى مظان الشهوة، إذا النظر يحرك القلب والقلب يحرك الشهوة.

وهذا يحصل بالإحتراز عن مظان وقوع البصر على الصورة المشتهاة والفرار منها، وأما عن الامر الثالث وهو تسلية النفس بالمباح من الجنس الذي تشتهيه وذلك بالنكاح، فإن كل ما يشتهيه الطبع ففي المباحات من جنسه ما يغني عن المحظورات منه، وهذا هو العلاج الأنفع في حق الأكثر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى