الحمد لله برحمته اهتدى المهتدون، وبعدله وحكمته ضلّ الضالون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، تركنا على محجّة بيضاء لا يزيغ عنها إلا أهل الأهواء والظنون، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم ثم أما بعد، لقد أمر الله سبحانه وتعالى بوقاية الأهل نار جهنم ومن الأهل الذين يجب وقايتهم نار جهنم الأبناء والبنات ولا يكون ذلك إلا بتربيتهم التربية الصالحة على الدين والأخلاق الحسنة والقيم النبيلة، وكما أن للوالدين حقوقا على أبنائهم، فإن للأولاد حقوقا على الوالدين أيضا، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم أنه قال.
” وإن لولدك عليك حق ” فهل أدّينا هذا الحق أيها الآباء والأمهات؟ فكما أن الولد سيسأل عن حق والده، فإن الوالد سيسأل عن حق ولده، وإن من حقوق الأولاد التي يغفل عنها كثير من الناس هو أن يختار الرجل الأم الصالحة، عند الزواج، فالأم الصالحة كالأرض الطيبة، تنبت نباتا حسنا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ” تنكح المراة لأربع، لمالها ولحسبها وجمالها فاظفر بذات الدين تربت يداك ” رواه البخاري ومسلم، فحث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار ذات الدين، فذات الدين بإذن الله تكون عونا لزوجها الصالح على تربية أبنائها تربية صالحة، وتقوم بواجبها فالمسؤولية مشتركة بين الأبوين، والطفل يولد على فطرة الإسلام، ثم يتأثر بما حوله مما يرى ويسمع من والديه وغيرهم.
وكما قيل وينشأ ناشئ الفتيان منّا على ما كان عوده أبوه، فلا بد أن يعي كل والدين أن الأبناء والبنات أمانة يجب حفظها ورعايتها، وأن التفريط فيها خيانة كبيرة، فإنها أمانة وفتنة، وهو يعني إختبار للأبوين هل سيقومان بواجبهما أم لا، وكثير من الأبناء إنما جاء فسادهم من قبل إهمال الأبوين أو أحدهما، وبعض الآباء والأمهات يريد أبناء صالحين دون أن يبذل أسباب الصلاح، فهذا مضمار شاق يحتاج إلى صبر ومجاهدة، وقبل ذلك استعانة بالله تعالى، وقد عاتب أحدهم ولده على العقوق، فقال له ولده يا أبت عققتني صغيرا، فعققتك كبيرا، وأضعتني وليدا، فأضعتك شيخا، فيا أيها الآباء والأمهات مسؤوليتنا ليست مقتصرة على توفير حاجات الجسد من طعام وشراب وكساء ودواء.
فهناك ما هو أهم من كل هذه الواجبات، وهو غذاء الروح، الدين والأخلاق، ولا بد أن نعلم أن من أضاع هذه الأمانة فهو على خطر عظيم، فقد جاء الوعيد الشديد على ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة ” متفق عليه، عباد الله إن الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه المتعالي بعظمته ومجده، وثنى بملائكته الكرام مسبحة بقدسه وثلث بكم معاشر المسلمين من جنه وإنسه، فقال جل من قائل سبحانه ” إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” فاللهم صل وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر والقلب الأطهر.
نبينا وحبيبنا وقدوتنا إلى الخير محمد ابن عبد الله وعلى خلفائه الأربعة الراشدين المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.