الدكروري يكتب عن السلطان الصالح أيوب يفارق الحياة بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : الثلاثاء الموافق 16 يناير 2024
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله، الملك، الحق، المبين، وأشهد أن نبينا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلى آله، وصحبه، أجمعين، أما بعد ذكرت مصادر تاريخية الكثير عن حروب التتار والمغول وقيل أنه بينما كان الصليبيون يتقدمون جنوبا داخل الأراضي المصرية اشتد المرض على السلطان الصالح أيوب وفارق الحياة بالمنصورة في الخامس عشر من شهر شعبان سنة لعام ستمائة وسبع وأربعون من الهجرة، الموافق في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر ألف ومائتان وتسع وأربعون ميلادي، فأخفت زوجته شجر الدر وفاته، وأدارت البلاد بالاتفاق مع الأمير فخر الدين يوسف أتابك العسكر والطواشي جمال الدين محسن رئيس القصر، حتى لايعلم الصليبيون فيزيد عزمهم ويشتد بأسهم.
وحتى لاتتأثر معنويات الجيش والعوام، وأُرسل الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار زعيم المماليك البحرية إلى حصن كيفا لإحضار توران شاه ابن السلطان المتوفى لتسلم تخت السلطنة وقيادة البلاد في حربها ضد الغزاة، إلا أن نبأ وفاة السلطان الصالح تسرب إلى الملك لويس بطريقة أو بأخرى، فتشجع الصليبيون أكثر وظنوا أن التحالف القيادي القائم بين شجر الدر وهي امرأة والأمير فخر الدين وهو رجل طاعن في السن لن يصمد طويلا وسوف يتهاوى عاجلا ومعه مصر، وفي اليوم الثامن من شهر فبراير عام ألف ومائتان وخمسون ميلادي، دل أحدهم الصليبيين على مخائض في بحر أشموم تمكنت فرقة يقودها أخو الملك روبرت دى أرتوا مع فرسان المعبد، وفرقة إنجليزية يقودها وليم أوف ساليزبري من العبور بخيولهم وأسلحتهم.
إلى الضفة الأخرى ليفاجأ المسلمون بهجوم صليبي كاسح على معسكرهم في جديلة، على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من المنصورة، وفي هذا الهجوم المباغت قُتل فخر الدين يوسف وهو خارج من الحمام مدهوشا بعدما سمع جلبة وصياح في المعسكر فخرج ولم يلبس لأمته، وركب فرسه، وحمل على الفرنج، فأصابه سهم فقُتل، وأدى الهجوم إلى تشتت الأجناد وتقهقرهم مذعورين إلى المنصورة، وبعدما احتل الصليبيون معسكر جديلة تقدموا خلف روبرت دو أرتوا نحو المنصورة على أمل القضاء على الجيش المصري برمته بعد أن أخذتهم العزة وظنوا أنهم لا ريب منتصرين، وأمسك المماليك بزمام الأمور بقيادة فارس الدين أقطاي الذي أصبح القائد العام للجيش المصري، وكان هذا أول ظهور للمماليك كقواد عسكريين داخل مصر.
وتمكن المماليك من تنظيم القوات المنسحبة وإعادة صفوفها، ووافقت شجر الدر الحاكم الفعلي للبلاد على خطة بيبرس البندقداري باستدراج القوات الصليبية المهاجمة داخل مدينة المنصورة، فأمر بيبرس بفتح باب من أبواب المنصورة وبتأهب المسلمين من الجنود والعوام داخل المدينة مع الالتزام بالسكون التام، وبلعت القوات الصليبية الطعم، فظن فرسانها أن المدينة قد خوت من الجنود والسكان كما حدث من قبل في دمياط، فاندفعوا إلى داخل المدينة بهدف الوصول إلى قصر السلطان، فخرج عليهم بغتة المماليك البحرية والجمدارية يصيحون كالرعد القاصف وأخذوهم بالسيوف من كل جانب ومعهم العربان والعوام والفلاحين يرمونهم بالرماح والمقاليع والحجارة.
وقد وضع العوام على رؤوسهم طاسات نحاس بيض عوضا عن خوذ الأجناد، وسد المسلمون طرق العودة بالخشب والمتاريس فصعب على الصليبيين الفرار، وأدركوا أنهم قد سقطوا في كمين محكم داخل أزقة المدينة الضيقة وأنهم متورطون في معركة حياة أو موت، فألقى بعضهم بأنفسهم في النيل وابتلعتهم المياه.