مقال

أرشدوني هل من أمل ؟

جريده الاضواء

أرشدوني هل من أمل ؟
كتب / يوسف المقوسي

يلومني كثيرون. هم على حق. أصبحت يا رفيقي مثل البوم. لا إشارة إلى مستقبل قليل.. إلى بصيص حياة .
أعترف بصدق أنني لا أتصيد المآسي. لا أبحث عن الحرائق. لا أطيق سماع أنين المجازر. تكرار الماضي وإعادة انتاجه، هو القانون السائد. الماضي كان مظلماً ودموياً وبشعاً. الحاضر يُعبّر عن نفسه بالقتل والحروب والإلغاء.

أعترف بأنني أحياناً لا أطيق نفسي. شعورٌ عابرٌ ينتهي بإشفاق عليَّ وعلى شعوب تسير في قوافل متراصة، إلى المقصلة، وهي تصفق لمن يذبحها.

أعترف أنني أرفض أن أكون ضحية القنص الديني. نحنُ عدونا. الأعداء من الخارج ليسوا مجهولين أبداً. استعمار. رأسمالية. حروب. طغيان. تجزئة. نهب ثروات. تهديد. إغراء.. أعداء الشعوب، ومنهم نحن، مصرون على مصادرة الماضي وقتل المستقبل .

لم يدلّني أحدٌ بعد إلى بصيص أمل ضئيل. نحن راهناً، عبر إعلام عبقري الشرور، نعيش كذبة الحداثة ومحرقة العولمة ومصادرة الحياة ومدعوون لأن نكون مع القطيع وأن نتماهى في اعتبار التبعية جرأة حداثية.
ما هو مطلوب منا هو الآتي: استسلم وادَّعِ أنك منتصر، عبر وقوفك في قطيع المُساقين من قوى وأكباش القنص الرأسمالي والديني والسياسي.

إنسَ. نعم إنسَ ما كان رائجاً بعد الحرب العالمية الثانية: “القوة هي القول الفصل”. القوة هي المال. السلاح. السيطرة وإدارة العالم بالروموت كونترول.
يلومونني. “معليش”. أُفضَّل أن أكون أنا. لا أريد أن أستعير عيون الآخرين ولا لغتهم ولا تورياتهم. لا أستبدل الواقع والوقائع بالأفكار والعقائد والقيم والديانات والأخلاق. هذه عملة بائدة. “خرج متاحف” فقط. الدليل: إبحثْ، يا أيها الرفيق/ة، أو أيها الأصدقاء، عن المستقبل. طالع يومياتك السياسية وما يُتلى عليك من منابر “الدول الفخمة”. إبحثْ في أسواق الكتابة عن الحرية. أين هي؟ إبحثْ عن العدالة: لن تجدها. الظلم الكبير هو دين القوى العظمى. الظلم الصغير هو ظلم عبيد الظالمين في العالم ما بعد الحديث.. فتشْ معي عن السلام. عن التحرر. عن المبادئ. عن حقوق الانسان .

أعترف بأنني ما زلت حياً وأرى العنف يومياً. الكرة الأرضية هي ضحية القنص الرأسمالي – العسكري – الاقتصادي. اذن، موتوا أيها الفقراء.. ونعم هم يموتون.
ما هو مؤلم أن الشعوب تتألم وتتعذب وتجوع وتُهان وتستعجل وتُوظف، ومع ذلك تُفضّل التأقلم مع الكوارث. السودانيون نموذج. الإعلام قام بعملية تنظيف للمجازر. للقتل. للإبادات. للتعذيب. للنهب. للإعتداءات.. إن خطر الإعلام راهناً فادح: “صدقنَا ولو كذبنا”. والعالم يصدق ويفجر. وعالم آخر مصاب بالكتمان والصمت والتعايش مع الكوارث .

أحاول أن أبتسم. عبث. أهرب من السياسة إلى الفن. إلى الموسيقى والشعر والمسرح والرسم والـ.. أجد نفسي وكأنني لست من هذا العالم.
قل ما شئت عن الحياة. الفوضى المأساوية روزنامة أيام وشهور وسنوات وعقود ودهور. (هل أنا عبوس ومتشائم أم أنني كائن طبيعي يحس ويشعر ويتألم ويرى ما حوله وما قبله وما بعده.. قولوا ما شئتم عن “الحقائق”. إنها مسفوكة. قلْ ما شئت عن الأديان. تشبث بها. هي موحدة ولا تتحد. إنها لا تدعنا وشأننا. الأوامر فيها صعبة التطبيق، سهلة التمزيق. ليس لدى الأفكار والعقائد أحذية صالحة لاجتياز التاريخ. الممكن بات مستحيلاً. الشعوب تتنفس في البلاد المقهورة والممعوسة رائحة الموت يومياً. الأسلحة مصابة بالشراهة. تجوع إن لم تقتل. السلاح هو البديل اليومي عن الخبز والحب. العار عقيدة العاطلين عن الفوز بلقمة أو حنان. هذا عصر اللعنات. الحروب هي النشاط الدائم في التحريض على القتل.

إن إلغاء الانسان من إنسانيته، هو مشروع “بشري” ذئبي، يسير على قدم وساق. فمن الآن وصاعداً، الجوع دين الشعوب (هل تعرفون كم يموت جوعاً ومرضاً كل دقيقة؟ طبعاً لا. الإعلام أقبح خلائق التقنية المجرمة) نداء. نداء. نداء. أيتها النساء، أقفلن الطريق إلى الأرحام، وإلا، علينا أن نقبل بعضنا فوق بعض. ونحن في الطبقة السفلى، حيث يتساوى الوجود بالعدم. نحن كومة أجساد. أرواحنا لم تعد معنا.
لذلك. لا تهدّدونا بالجحيم. صرنا عبيداً نطيع. لا ندافع عن حياة. استسلم وارفع شارة اللامبالاة. نحن على وشك انتهاء تاريخنا.
لا قدرة لي على إبتداع أمل ضئيل. بلادنا، هنا وهناك وهنالك. معرضٌ مستدامٌ للعنف. نحن في غابة. شريعة الغاب أرحم بكثير جداً من شرعية الأمم المتحدة ومن شرعية الحكومات التي تهندس الإجرام. هل عندنا ذرة سلام واحدة؟ أين؟ هنا؟ عندنا، من المحيط إلى الخليج.. كل الكلام محصور بالإستراتيجيات وطرق التجارة الدولية. نحن ممر ومستقر لغير شعوبنا. غدُنا أن نكون خُدّاماً على موائد اللئام .

لا تحلموا. لن تخترعوا مغامرة التغيير. فقدنا مصداقية الحياة. كأننا في نهاية تاريخنا. خطابنا السياسي فارغ. منافق. تافه. معلوك. خطابنا الديني مفزع. لا وراء خلف ورائنا الراهن. أيامنا مفتوحة على العقم السياسي والأخلاقي. نُعوّض عن بؤسنا، باختراع كذبة الازدهار . يا بؤسنا، يا ذلنا، يا عارنا، يا كل شيء ضدنا.

نحن مُساقون. برجال دين يتصرفون كآلهة تُطاع. يُبشرّون بالجحيم هنا. الظلاميون، فقه الخوف والتخوين وجنون القتل. التطرف الديني من عندنا. دين الخيبات قمع وتكفير. وبناء على كل ما ورد أعلاه، تصرف وفق ما تفرضه السترة: لا تُطالب بالحرية. الحرية تزدهر في غير بلادنا. كل أنظمتنا العربية، تعيش مرعوبة من الحرية. الحرية وحرية الرأي حتماً، تقودك إلى سلسلة ومجاميع السجون العربية، من المحيط إلى الخليج. ومن يمارس هذه الشناعة، راغب في أن يحكم شعوباً مستسلمة. و لا استثني دولة أو نظاماً أو ملة أو.. “يا ناس، الحرية رجس من قبل الغرب فاجتنبوه”. وهم لا ينامون في فراش الإغتصاب الأممي .

باختصار صعب: الإنسان ممنوع من الحضور السياسي والفكري والإقتصادي. ممنوع منعاً باتاً. (أهلاً بإسرائيل، بديلاً من الحرية. أهلاً بالتطبيع مع العدو، بديلاً عن الوطنية. أهلاً بالقمع والقهر والإذلال.. ثم، لا تذكروا أو تتذكروا فلسطين. العرب مقتنعون أن حل المشكلة الفلسطينية بيد إسرائيل وحدها. وليعذرني أصدقاء أحبهم: “إسرائيل”، ليست راهناً، وما بعد راهناً، مهددة بالزوال. سيتم “تعريب” إسرائيل، وسيتم صهينة العرب.
أحبائي على حق. أنا أشبه طائر البوم. ولكنني صادق. هذا ليس خياراً. بل هو واقع مستدام، ذو أصول متينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى