أخبار الفن

أحمد بتشان فنان يُغنّي بروحه ويُوقظ أعمق الحنين

جريدة الأضواء المصرية

أحمد بتشان في نوستالجيا فورها: رجولة الصوت وصدق الحضور… فنان يُغنّي بروحه ويُوقظ أعمق الحنين

 

الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر

 

في حضرة الأصوات التي رافقت جيل الألفينات وفي قلب أمسية خالدة أُقيمت في “سوبر دوم جدة”، برز اسم الفنان أحمد بتشان كأحد أعمدة الطرب الأصيل، حيث ترك أثرًا لا يُمحى بصوته الرجولي العذب، وحضوره الصادق الذي اخترق القلوب دون مقدّمات. في حفل نوستالجيا فورها، الذي شهِد حضور أكثر من عشرة آلاف متفرّج، لم يكن بتشان مجرد ضيف، بل كان روحًا صافية تسكن في جسد المسرح، تُنير المساحة بنغمة حنين، وتُغنّي بذاكرة العشّاق.

 

طلّة لا تخونها الثقة… ونبرة تشبه الصراحة الأولى

 

من اللحظة التي صعد فيها إلى المسرح، شعر الجمهور أن شيئًا مختلفًا على وشك الحدوث. وقف بثبات رجل يعرف قيمة صوته، يعرف رسالته، ولا يبتغي إلا أن يُوصل الإحساس كما هو، عاريًا من التصنّع، غنيًا بالصدق. لا مبالغات، لا حركات استعراضية، فقط حضور هادئ ونظرات تغوص في عيون الحاضرين، كأنه يُحدث كل واحد منهم على حدة، يُشاركه حكايته، ويسمع منه وجعه قبل أن يُغنّي له.

 

صوته لم يكن فقط جميلًا، بل دافئًا كحضن صديق، قويًا كنبض الحقيقة، ناعمًا كذكرى منسية. نبرةٌ محمّلة بالتفاصيل، تُشبه الحياة حين تمرّ بنا خفيفة وثقيلة في آن، وتُشبه الرجولة كما يجب أن تكون: هادئة، عميقة، لا تفرض نفسها ولكنك لا تنساها.

 

كل حرف قاله… كان يشبهنا

 

أداء بتشان في هذه الليلة لم يكن تقليديًا، بل كان حالة وجدانية كاملة. مع كل مقطع، كان يلامس مناطق في القلب ما زالت عطشى لكلمة صادقة، لاعترافٍ بسيط، لصوت يُجيد الحزن دون دراما، ويُجيد الفرح دون صخب. بدا كأنه ابن الحكايات المنسية، العارف بخفايا الشعور، والخبير في فن الإصغاء قبل الغناء. وحين بدأ صوته يعلو، كان الجمهور يُنصت وكأنه يسمع شيئًا لا يتكرّر، وكأنّ الزمن عاد لينصف لحظة كان يجب أن تعيش أكثر.

 

الحضور أحبه فورًا… وتفاعل مع كل نفس تنفّسه

 

من أجمل ما شهدته الليلة، كان انسجام الجمهور معه. لا أحد في القاعة شعر بالغربة. الكلّ كان مأخوذًا، مُتورّطًا عاطفيًا، ومتعلّقًا بالتفاصيل. الصفوف الأمامية كانت تُردّد خلفه، أما الصفوف الخلفية فكانت تُحاول التقاط اللحظة بالعيون والهواتف والقلوب. التصفيق لم يكن مجاملة، بل كان إعلانًا واضحًا: “نحبك لأنك تُشبهنا.”

 

بتشان… فنان يُؤمن أن الفنّ أمانة

 

رغم ضخامة الحدث وبريق الأضواء، ظلّ بتشان متواضعًا في حضوره، مؤمنًا برسالته، واضحًا في رؤيته. أدرك تمامًا أن الجمهور لا يبحث فقط عن صوت جميل، بل عن صوت يُشبه ضميره، عن فنان يحمل وجعه على المسرح، ويقدّمه بشجاعة. وكان هو هذا الفنان. لم يكتفِ بالأداء، بل زرع في القلوب شيئًا من الأمل، من الراحة، من التصالح مع الذكريات.

 

انسحب بهدوء… لكنه ترك خلفه صدى لا يُنسى

 

عندما أنهى فقرته، صمت الجمهور لثوانٍ، كأنهم لا يريدون أن تنتهي اللحظة. ثم انطلقت موجة من التصفيق والهتاف، لا لتودّعه، بل لتطالبه بالبقاء. بتشان لم يكن استعراضًا عابرًا، بل تجربة إنسانية عميقة. حضوره ذكّرنا أنّ الأصالة ما زالت تُعاش، وأنّ الفن الذي يُقال من القلب، يصل حتمًا إلى القلب.

 

خرج من المسرح بهدوء، ولكن بقي في الأذهان، في الهواتف، في القصص التي سيرويها الحاضرون طويلاً. لأنّه في حفل نوستالجيا فورها، لم يكن صوت أحمد بتشان عاديًا… بل كان الرجوع الكامل إلى الفنّ كما يجب أن يكون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى