أشرقت شمس طهران فجر اليوم الجمعة 13 جوان 2025 على غير عادتها ، تئن السماء بثقل الغبار والرجفة ، فيما تهتز الأرض تحت وقع الحديد والنار.
فعلتها إسرائيل أخيرًا وقصفت قلب إيران ، دوّى الصمت بعد الانفجار وكأن الهواء نفسه توقف ليصغي إلى ما خلفته موجة «قوة الأسد» من خراب.
في قلب العاصمة ، تقاطعت خطوط اللهب مع ملامح الخوف عيون مذهولة تطل من خلف النوافذ المحطمة ، وأيادٍ ترتجف وهي تمسك بأشلاء الصور ، بقايا من حياة كانت تنبض قبل لحظات المستشفيات تغص بالجرحى ، والمآذن تصدح لا بالأذان ، بل بنداء الفقد.
قيل إنّ العملية أستهدفت منشآت نووية ، منصات صواريخ ، وربما أحلامًا كانت تُحاك في الظلال.
لكنّ الذي سقط أولًا لم يكن المعدن بل ما تبقى من وهم الإستقرار في شرقٍ أعتاد أن ينهض على الرماد كلما ظنّ أنه بلغ ضوء الأمان.
” قوة الأسد ” — الإسم وحده كافٍ ليشي بالنية ، لا مجال للتردد لا حوار ، بل رسالة مكتوبة بلغة النار.
سنوات من التهديدات ، من التصريحات المبطّنة والتلويحات على طاولات السياسة ، تحولت أخيرًا إلى قرار ” أمريكي / إسرائيلي ” على شكل صاروخ ذكي يبحث عن قلب الهدف بدقّة قاتلة.
لكن من قال إن الأهداف لا تنزف؟
من قال إن الخرائط وحدها تُقصف لا الوجوه؟
من سيشرح لطفلٍ خرج من تحت الأنقاض أن ما جرى كان لحماية أمن إقليمي لا يفهمه؟
لقد فعلتها إسرائيل ، نعم فعلوها أبناء [ شحيبر ] . لكن حين تتطاير المدن ، لا يعود في وسع أحدٍ أن يزعم النصر.
في الحرب ، الجميع خاسر وإن تفاوتت درجات الإحتراق .
ويبقى السؤال: هل كانت الضربة بداية النهاية؟ أم مجرّد شرارة في حريق قادم ، لا يبقي ولا يذر؟
أما طهران ، فتضمّد جراحها بصمت ، وتحدق في سمائها ، لعلها تعرف من أين تأتي الضربة التالية.
لم تكن الضربة مفاجئة ، لكن وجعها جاء أبعد من التوقع.
في صباحٍ مائل إلى الرماد ، إستيقظت طهران على صوتٍ لم يكن يشبه شيئًا إلا نهايات العالم.
فعلتها إسرائيل …. نعم فعلتها .… وقصفت إيران.
لكن من الذي تلقّى الضربة حقًا؟
هل كانت المنشآت؟ أم تلك العائلة الصغيرة التي كانت تضع الخبز في الفرن لحظة الانفجار؟
هل إستُهدفت الأجهزة النووية؟ أم الطفلة التي كانت تحلّ واجبها المدرسي حين هوى السقف على أحلامها البريئة؟
لم يكن الصاروخ يبحث عن جنرال، ولا عن ملف عسكري مخبأ في سرداب.
كان يبحث – كما تفعل الصواريخ دومًا – عن مكان يعجز فيه القلب عن النجاة.
سقط على المدينة لا كقوة رادعة ، بل ككابوس حيّ يفتّت أوصال الأمان ويترك الناس عراة أمام الخوف.
في الأزقة يسير رجل عجوز حافي القدمين ، يحمل حفنة تراب من منزله الذي كان يبحث عن إسمه بين القوائم ، علّه يكتشف إن كان ما يزال حيًا أم صار رقمًا آخر في نشرة الأخبار.
وفي مستشفى متهالك ، تحاول أمٌ أن تهدهد رضيعها الذي لم يفهم بعد أن العالم قد تغيّر ، وأنه ولد في زمن تتساقط فيه الصواريخ أسرع من الأمنيات.
ليست طهران وحدها من تنزف ، بل بيروت ، وغزة ، ودمشق ، وصنعاء… مدن الشرق كلها تنام على الشك وتصحو على النكبة.
هذا الصراع الذي تجاوز السياسة ، لم يعد صراع جيوش وحدود بل صراع بقاء الإنسان في وجه العنف المجنون.
في كل مرة تُقصف مدينة ، يُولد جيل جديد من الأيتام ، من الخائفين ، من العاشقين للأمل رغم هشاشته.
جيل لا يسأل من المسؤول ، بل يسأل: لماذا نحن دائمًا في المنتصف؟ لماذا نحن الهدف الأسهل؟
وحده الغبار يهبط متأخرًا كأنه يحمل في ذراته كل الأسئلة التي لن يُجاب عنها.
وحدها عيون الأمهات تدرك أن الحرب ، في حقيقتها ليست سوى مأتم طويل ، لا يُرفع فيه سوى نعش الإنسان.