مقال

سنرحل… ويبقى الأثر الطيب ▪︎

جريدة الأضواء المصرية

هنا نابل/ الجمهورية التونسية

▪︎ سنرحل… ويبقى الأثر الطيب ▪︎

بقلم: المعز غني

هذه التدوينة والكلمات مليئة بالحكمة والتجربة ، وتحمل رسائل روحانية وإنسانية سامية ، فيه صدق شعوري يلمس القارىء كلما عبرت بي السنون ، شعرتُ أني أنسلُّ من صخب العالم كما ينسلّ الطيب من العطر ، لا يعود لي شغفٌ بالمجادلات ولا رغبة في مشاحنات أو صدمات.
أميل إلى السكينة ، إلى البساطة ، إلى قلوبٍ تتنفس الصدق ، وإلى مجالس يُذكر فيها الله ويُستسقى فيها نور العقل.

■ العمر … لا يمنحنا الحكمة فقط ، بل يُظهر لنا ما يستحق أن نحتفظ به ، وما يجب أن نتركه خلفنا دون أسف.
إكتشفتُ أنني لا أطلب من الدنيا كثيرًا ؛ قلبًا سليمًا لا يحمل حقدًا ، ومجلسًا نقيًّا لا يُقال فيه إلا طيبًا ، وصحبةً بيضاءَ لا تعرف المكر ، تزرع فيك حب الله دون إدعاء وتحبك في الله دون مصلحة.

صرتُ أُؤْثِر الصمت على التبرير والسلام على الإنتصار ، وأبتعد عن من يَسحبونني إلى القاع ، إلى مستنقع الأحقاد ، إلى وهن الروح. أريد من إذا رآني مُنكسرًا رمّمَني ، لا من زاد كسري وإحتفل بسقوطي.

■ نضجتُ كفاية لأدرك أن الحياة لا تتسع للغضب الموروث ، ولا للخصومات التي لا تنتهي ، ولا للمقارنات العقيمة.
الحياة أقصر من أن تُهدَر على من لا يُقدّر وجودك ، وأغلى من أن تُهدر مع من يسرق منك السلام.

أيقنت أنني لا أحتاج لأن أكون حاضرًا في أحاديث الجميع ، يكفيني أن أكون حاضرًا بطيب ذكري ، في قلب من يحبّني بصدق. وأيقنت أيضًا أن الإنسان لا يُقاس بما يملك ، بل بما يتركه بعده من أثر.
فالكلمات الطيبة دعاء مستمر ، والمواقف النبيلة صدقة جارية في نفوس الناس.

ثم أدركت الحقيقة الكبرى: أن من دون الأخلاق والعبادة لا قيمة لي في الأرض ولا وزن لي في السماء.
إنّ التسامح ليس ضعفًا ، بل رقيّ والعفو ليس تنازلًا ، بل قوةُ من يعرف أن العدلَ بيد الله لا بيد البشر.
تعلمتُ أن أتجاوز لا لأن الآخرين يستحقون ، بل لأن قلبي يستحق أن يظل طاهرًا وأن أُبقي مساحته عامرةً بالنور لا بالسواد.

نعم، سنرحل …
كلنا راحلون … ستُغلق الأبواب ، ويُطوى الدفتر ولن يبقى معنا إلا الأثر.
فيا ليتنا نحسن الأثر قبل أن يأتي يوم الرحيل.
يا ليتنا نترك خلفنا دعاءً صادقًا من قلب يتيم ، أو إبتسامةً زرعناها في وجه حزين ، أو كلمةً طيبة أنقذت أحدهم من غرقه الداخلي دون أن ندري.

■ اللهم حسن الحياة وحسن الممات وحسن الأثر.
أجعلنا ممن يرحلون وقد تركوا خلفهم نورًا لا يخفت ، وسيرةً تُتلى في الغياب بامتنان.
وتذكّروا…
“إنما حياتُنا أيامٌ تمرُّ مرَّ السحاب ، فاعملوا فيها لما يبقى ، لا لما يفنى.”

مع خالص تحياتي ومودتي
عبدكم الفقير إلى ربه كاتب هذه الكلمات
المعز غني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى