تحليلات اخباريه

دور الصين فى ترتيب زيارة وزير الخارجية الإيرانى لمصر وعلاقتها

جريدة الأضواء المصرية

 دكتورة ناديه بنى سويف: – ترجمة تحليلى الدولى الهام باللغة الإنجليزية من موقع (المودرن دبلوماسى) للتحليلات السياسية العالمية، بعنوان:     

  (دور الصين فى ترتيب زيارة وزير الخارجية الإيرانى لمصر وعلاقتها بتوقيت زيارة “رافاييل جروسى” مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى القاهرة ولقائه بالرئيس”السيسى” والزيارة المرتقبة للرئيس الصينى “شى جين بينغ” إلى القاهرة)

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 تعول الصين كثيراً على زيارة وزير الخارجية الإيرانى “عباس عراقجى” إلى القاهرة، لرفض بكين توسع دائرة الصراع فى منطقة الشرق الأوسط حفاظاً على مصالحها وتسيير حركة الملاحة البحرية والنقل البحرى عبر قناة السويس المصرية، وهنا يمكن إدراج معادلة مصر وإيران والصين وروسيا، ضمن دائرة العلاقات المصرية مع دائرة الشرق، وتحقيقاً لحلم الصين ورئيسها فى تشكيل عالم متعدد الأقطاب الدولية والحوار بين دول الجنوب العالمى النامى وحوار الجنوب – الجنوب برعاية ودعم الصين، كأكبر بلد نامٍ فى العالم. وتزايد الرغبة الصينية-الإيرانية فى تقوية وتعزيز قوة المعسكر (الصينى-الروسى-الإيرانى) وضم حلفاء آخرين، لمجابهة المعسكر الغربى، ومزيد من تحصين هذا المعسكر المناوئ لسياسات وإملاءات الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد العالمى، إذ تتطابق رؤية الدول الأربعة مصر والصين وروسيا وإيران فى إرساء نظام دولى متعدد الأقطاب يفقد الولايات المتحدة هيمنتها المنفردة على النظام الدولى. وتوترت العلاقات بين مصر وإيران بشكل عام فى العقود القليلة الماضية، لكن البلدين كثفا الإتصالات الدبلوماسية رفيعة المستوى منذ إندلاع أزمة غزة فى أكتوبر ٢٠٢٣، والتى حاولت مصر لعب دور الوسيط فيها.    

 ويعكس تدهور العلاقات الصينية-الأمريكية، أهمية مساعدة بكين لإيران حليفتها فى المنطقة للخروج من عزلتها وترميم إقتصادها بما يتعارض بالقطع مع أهداف إسرائيل، كما أن تزايد نطاق التعاون العسكرى والتكنولوجى والإستخباراتى بين الصين وإيران، يفاقم خطورة التهديد العسكرى على إسرائيل، ودول أخرى في الشرق الأوسط ومنطقة المحيط الهندى-الهادئ. وفى السياق ذاته، تدرك إيران أن الصين فى حاجة إلى دعمها لمبادرة مشروع الحزام والطريق الصينى الدولى العابر للحدود، وقدرة إيران على حماية المشروع الصينى فى المنطقة عن طريق فرض الميليشيات المسلحة والشيعية وحزب الله وميليشيا الحوثيين المتحالفة معها فى الشرق الأوسط. كما أن الصين تدرك أن إيران جزء من مشروع تأمين الطاقة الإستراتيجى بالنسبة إليها، فضلاً عن موقعها الجيوسياسى والأمنى المهم لبكين، للتعامل مع التهديدات الأمنية فى آسيا الوسطى وأفغانستان ومنطقة دول معاهدة شنغهاى. ومع ذلك فإن الموقف الصينى تجاه القوى الشرق أوسطية لم يعد يرتكن إلى إيران فقط، فهناك من القوى التى يمكن التعاطى معها لضمان أمن وسلامة ممرات الملاحة والتجارة الدولية وعلى رأسها مصر.         

 ومن أجل ذلك، دفعت بكين الجانب الإيرانى لتنسيق مواقفه مع القاهرة فضلاً عن الزيارة المرتقبة للرئيس الصينى “شى جين بينغ” إلى القاهرة، كجزء من إستراتيجية أكبر لبكين، حفاظاً على مصالحها فى الشرق الأوسط خاصةً تدفقات التجارة والنقل البحرى واللوجستى عبر قناة السويس المصرية ولسلامة عمليات النقل البحرى والمضائق البحرية، مع التشديد الصينى على ضرورة وقف التصعيد فى قطاع غزة ومن جانب الحوثيين المدعومين من إيران، للحيلولة دون الإنزلاق إلى حرب إقليمية شاملة ستكون ذات تداعيات خطيرة على أمن الصين وعلى جميع مقدرات دول وشعوب المنطقة، ومن أجل ذلك تشجع بكين المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية فى هذا السياق حفاظاً على الإستقرار فى المنطقة. فهناك إتفاق مصرى صينى مشترك على حتمية عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها فى منطقة مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وتقييد ضربات الحوثيين المدعومين من إيران على حركة السفن العابرة عبر قناة السويس، حتى لا تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ذريعة لتصعيد القتال فى قطاع غزة وفتح جبهات صراع جديدة فى المنطقة. فما بين الصين وإيران مصالح مشتركة، فكلتاهما تبديان إهتماماً بإضعاف الولايات المتحدة الأمريكية، وتقليص دورها فى المنظومة الدولية وتقويض تحالفاتها إقليمياً ودولياً، فضلاً عن معارضة كلاً من الصين وإيران لأى تدخل خارجى فى شؤونهما الداخلية.    

ومن وجهة نظرى التحليلية، فأرى أن هناك علاقة بين توقيت زيارة “رافاييل جروسى” مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى القاهرة ولقائه بالرئيس”السيسى” وزيارة “عباس عراقجى” فى نفس التوقيت للقاهرة، خاصةً فى ظل اللقاء الثلاثى والمناقشات الهامة فى إجتماع ثلاثى بالقاهرة، والذى تم بين وزير الخارجية المصرى “بدر عبد العاطى” ونظيره الإيرانى “عباس عراقجى” والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل جروسى”، فهناك مصلحة مصرية مباشرة فى إتمام الإتفاق حول المسألة النووية الايرانية، فبإتمام ذلك الإتفاق سنرى إنفراجة كبيرة فى ملفات مهمة تخص أمن البحر الأحمر والقضية الفلسطينية. كما أن توسط القاهرة والرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسى” فى الملف النووى الإيرانى كما فهمنا، يعكس الدور الإقليمى الكبير لمصر لخدمة قضايا المنطقة والخليج، خاصةً بعد إصدار البيان الختامى للقمة الخليجية-الصينية فى الرياض فى ديسمبر ٢٠٢٢، بدعوة إيران من خلاله  إلى الحوار الشامل بمشاركة دول المنطقة لمعالجة الملف النووى الإيرانى، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أجل المضى قدماً فى المحادثات النووية التى تعثرت منذ شهر أغسطس ٢٠٢٢. لذا، جاء الدور المصرى مكملاً للبعد العربى والخليجى فى دعوة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل جروسى” إلى القاهرة عبر جلسة مباحثات ثلاثية مصرية إيرانية مشتركة بحضور “رافائيل جروسى”، وهو ما يعكس أهمية مصر فى الوقت الراهن لتعزيز عجلة الإستقرار فى المنطقة وحل أى صراعات بين أطرافه. فهناك مصلحة مشتركة بين الجانبين المصرى والإيرانى ومعهما الصينى والروسى فى إحباط تأثير العقوبات الأمريكية على إيران لما لذلك من تداعيات سلبية على المنطقة، فضلاً عن رغبتهم جميعاً فى تقييد قدرة الولايات المتحدة على إستخدام أداة العقوبات فى مواجهة إيران، وفى هذا الإطار تسعى الصين ومعها روسيا عبر ضم مصر وإيران وعدة دول أخرى فى (تجمع البريكس)، للقيام بمزيد من الإجراءات لتعزيز التبادل المالى عبر العملات المحلية بعيداً عن هيمنة الدولار الأمريكى، وهو ما تم الإعلان عنه رسمياً فى البنوك المركزية المصرية والإيرانية بتسهيل إجراءات التداول والتعامل المالى عبر العملة المحلية الصينية “اليوان أو الريمينبى”، مما يحد من سيطرة وهيمنة الدولار على مفاصل الإقتصاد فى البلدين.     

كما يأتى ذلك تأكيداً مباشراً من القاهرة على دعم منظومة عدم الإنتشار النووى ونزع السلاح فى المنطقة، بما يساهم فى تعزيز السلم والأمن الإقليميين، إلى جانب تعظيم الإستفادة من الإستخدامات السلمية للطاقة الذرية. وللتأكيد على أن مصر فى طليعة الدول الداعمة لمنظومة نزع السلاح وعدم الإنتشار النووى، بإعتبار أنها تهدف إلى الوصول إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية، مع حرص مصر بشكل دائم على الدعوة لضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، وتتطلع لتعزيز دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى دعم جهود تحقيق عالمية معاهدة عدم الإنتشار فى المنطقة، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.       

كما أن ما يربط بين مصر وإيران فى الوقت الراهن أكثر مما يفرقهما، فكلتاهما مستهدفة بطريقة مختلفة من قبل إسرائيل، وفى المحصلة فإن الأضرار للطرفين تكاد تكون واحدة، وتتمثل فى محاولة إخراجهما من التوازنات التى يراد لها أن تسود فى المنطقة، وتتسع أدوار بعض القوى التى كانت فاعليتها محدودة، كى يتسنى إعادة تشكيل المنطقة، والتى يصعب الوصول إليها ما لم تكن القوى التقليدية خارج نطاق المعادلة الجديدة. وهنا تنتبه القاهرة وطهران إلى تداعيات هذا الأمر، وما يفرض عليهما البحث عن صيغة للتوصل إلى تفاهمات بينهما، وهو ما تشجع عليه الصين. وعلى الجانب الإيرانى، تتطلع طهران من زيارة وزير خارجيتها “عباس عراقجى” للقاهرة إلى إزاحة ثقل العقوبات المفروضة على إقتصادها عن كاهلها، وإزالة آثار تداعياتها المؤججة لحالة الغضب الداخلى داخل الأراضى الإيرانية ذاتها، عبر تحقيق بعض المكاسب الإقتصادية والتجارية، وجنى ثمار إقتصادية وسياسية مهمة على المدى القصير والطويل عبر تقاربها مع القاهرة لما لها من ثقل إقليمى ودولى كبير.دور الصين فى ترتيب زيارة وزير الخارجية الإيرانى لمصر وعلاقتها

[ دكتورة ناديه بنى سويف: https://www.facebook.com/share/p/1F2BvkD1Uj/

[ دكتورة ناديه بنى سويف: https://www.facebook.com/share/p/16gJRnW8aH/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى