مقال

الفلسفة المصرية القديمة … فلسفة للموت أم للحياة؟

جريدة الأضواء المصرية

الفلسفة المصرية القديمة … فلسفة للموت أم للحياة؟

بقلم:الدكتورةعزيزة صبحى

أستاذ الفلسفة بجامعة الاسكندرية

قد يقال عن الفلسفة المصرية القديمة إنها فلسفة للموت، خاصة وأن معظم مقولاتها الفكرية قد جاءت مرتبطة بالموت؛ كمفهومهاعن الحياة الأخروية، والأدب الجنائزي الذى اتخذ من الموت موضوعًا رئيسًا له، كذلك البناءات المشيدة للموتى؛ كالمصاطب، الجبانات، والأهرامات .

كذلك قد يؤسس هذا المزعم على بعض الوثائق المصرية القديمة التي تتحدث عن الموت بوصفه المخلص الوحيد من الآلام والمعاناة، منها تلك الوثيقة المسماة “كاره البشر مع نفسه”، وتحكي هذه الوثيقة حال رجل تكالبت عليه صروف الدهر، فألم به المرض، وهجره المقربون، وتقدم هذه الوثيقة حوارًا دراميًا بين هذا الإنسان الذي يقف على حافة القبر، رغبًة في الموت وبين نفسه التي ترفض الموت رفضًا باتًا، ويحاول هذا الإنسان أن يقنع نفسه بالموت فيعدد لها أسبابه لرفض الحياة، وترحيبه بالموت بوصفه هروبًا من التعاسة التي يحياها.

والحقيقة أن الفلسفة المصرية القديمة فلسفة حياة لا فلسفة موت، فلسفة عشقت الحياة إلى الحد الذي ابتدعت معه كل الطرق الممكنة لتضمن البقاء الأبدي لتلك الحياة، ولا يمكن أن نعول على تلك الوثيقة في القول بأن الفكر المصري القديم فكر متشائم رافض للحياة، وذلك لأنها لا تمثل إلا رؤية أحادية ارتبطت بحقبة زمنية اختلت فيها الأوضاع وانتشرت الفوضى وفُقدت القيم، أي أنها تمثل لحظة في سياق تاريخي وسياسي محدد.

أما المصري القديم، فقد كانت حاله حال النفس في “كاره البشر” حيث كان رافضًا للموت، ويرى فيه أمرًا بغيضًا يجلب الأحزان، ويظهر هذا جليًا في تجنب المصري القديم ذكر لفظة الموت، وإنما كان يذكره بشيء من المواربة كقوله “النزول في البحر” “ليس حيًا” “ذهب إلى الكاه … إلى آخره”، ورغم هذا الموقف الرافض للموت، فإن المصري القديم كان مؤمنًا بحقيقته ، ويعبر عنه بصورة عقلانية وواقعية فيقول فى أنشودة “عازف القيثارة” : “إن الموت أمر محتوم، لا نعرف شيئًا عما هنالك بعد الموت … لا أحد يعود من وراء القبر فيخبرنا …نولد ثم تذهب جميعًا إلى القبر … تواجهنا حتمية الموت… فلا سبيل إلا بقضاء يوم بهيج … حتى يأتي الوقت للذهاب إلى أرض السكون…”.

هؤلاء هم المصريون، عشاق الحياة المبتهجون بها، مهما كانت وسائلهم في ذلك بسيطة، فهم يحتفلون، وفقًا لما ذكره هيرودوت، بعدد لا حصر له من الأعياد والاحتفالات الدينية التي عادة ما تتحول إلى أفراح شعبية.

ولا يمثل الموت بالنسبة للمصريين القدامى سوى انتقال من حال حياة دنيوية إلى حال حياة أخروية أبدية سعيدة، لذا كان هدف المصري هو حياة لا نهاية لها، وذلك من خلال عقيدة البعث والخلود، وما كان يخشاه المصري القديم هو الفناء التام أو ما اسماه الموتة الثانية، وهذا هو الموت الحقيقي لديه، لذا اتخذ تجاهه عدة إجراءات احترازية تحول دون ذلك؛ كالتعاويذ والرقي والسحر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى