
القوات المسلحة والمباريات الحربية
لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة عادل شلبي
المباريات الحربية، هي أعلى مستويات التدريب في الدورات التدريبية في كليات القادة والأركان، وكليات الحرب العليا، وكليات الدفاع في مختلف المنشآت التعليمية في العالم. وهي تُعتبر أحد مفاهيم الفكر العسكري الذي يُدرس في أعظم وأرقى مستويات التعليم في الاكادميات العسكرية في نهاية الدورات التعليمية التي تستمر لمدة عام تقريباً.
ولكن هذا الفكر والأسلوب لم يكن يُتبع في الكليات العسكرية العليا في الاتحاد السوفيتي، والتي كنا نتبعها ونسير على خطاها بعد ثورة يوليو 52. ولذلك لم نكن نستخدم ذلك الاسلوب التعليمي في الاكاديميات العسكرية المصرية. ولكن مع بدء الانفتاح العلمي العسكري، والذي أطلقه الرئيس أنور السادات، بعد أكتوبر 1973 تقرر سفر مبعوثين مصريين إلى دول حلف الناتو، التي تعتنق الفكر العسكري الغربي لكي نتعرف على اساليبهم للقتال حيث ان اسرائيل تتبع الفكر الغربي وعلى اساليب التدريب للقادة والضباط وبالتالي بدأنا نتعرف على شكل جديد في التدريب وهي المباريات الحربية.
ولقد كنت من أول هؤلاء المبعوثين عندما تقرر سفري إلى إنجلترا لحضور دورة كلية القادة والأركان في كلية كامبرلي الملكية. وهناك، لأول مرة، حضرت وشاهدت هذا النوع الجديد من التدريب، وكانت تجربة رائعة. ولذلك، فور عودتي من البعثة، عندما تم استدعائي لمقابلة المشير الجمسي، وزير الحربية آنذاك، وقدمت له تقريري عن البعثة، وما هو الجديد الذي يمكن أن تستفيد منه القوات المسلحة من تجربة الدراسة في المعاهد العسكرية الغربية خارج مصر.
وكانت أهم هذه العناصر التي قررنا نقلها للاستفادة بها في القوات المسلحة هي المباراة الحربية أو “War Game”. وعلى الفور، صدرت أوامر السيد وزير الحربية آنذاك بتطبيق هذا الأسلوب في التدريب في كلية الأركان حرب المصرية. وتم إلحاقي لمدة شهر بأكاديمية ناصر العسكرية لإدخال هذا النوع من التدريب وتدريسه في كلية الحرب العليا (High War College) وكلية الدفاع (Defense College).
وتقوم فكرة المباراة الحربية على تقسيم طلبة الدورة إلى قسمين أو فريقين. الأول يمثل الدولة المصرية بكل تنظيمها: مجلس الوزراء، وزير الدفاع، باقي الوزراء، مركز عمليات الدولة، إدارة المخابرات، التي تكون مسؤولة عن إدارة المعركة الحربية ضد العدو… الخ.
أما القسم الثاني، فهو يمثل الدولة المعادية. وأتذكر أننا في إنجلترا، ونحن نجري التدريب على هذه المبادرة الحربية، كان القسم الأول يمثل الحكومة البريطانية، بما فيها وزارة الدفاع البريطانية (MOD)، ورئاسة الأركان، وإدارة المخابرات، وغيرها. أما القسم الثاني، فكان يمثل الدولة المعادية، وكانت آنذاك هي الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو.
وبالطبع، تم وضعي في هذه المباراة كممثل للدولة السوفيتية، لأننا كنا ندرس في مصر الفكر العسكري الشرقي، ولقد كانت الفكرة الاسرائيلية لتنفيذ هذه المبادرة الحربية في كلية كامبرلي إنجلترا عام 1974، تقوم على حدوث اساس توتر بين بريطانيا والاتحاد السوفيتي واحتمالات حدوث حرب.
وكانت المرحلة الاولى من المباراة تركز على كيفية إدارة الأزمة ومحاولة تجنب الدخول في حرب بين البلدين. ويبرز فيها دور الدبلوماسية لتجنب الحرب، وكذلك دور وزارة الدفاع البريطانية، ورئاسة الأركان، للاستعداد للحرب وإعلان التعبئة وتجهيز خطط الحرب، مع إبراز دور الإعلام في تهيئة المجتمع البريطاني للأعمال المنتظرة.
ومع تطور الأزمة، في المبارة الحربية نصل إلى مرحلة الحرب. وعلى الجانب الآخر ظهر دور دولة الاتحاد السوفيتي في إدارة هذه المرحلة، سواء على المستوى الدبلوماسي أو العسكري. وبالطبع، كنت أمثل الدولة السوفيتية، ومعي مجموعة من الطلبة البريطانيين وبعض من دول أخرى يمثلون باقي عناصر دولة الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو سواء وزارة الدفاع … الخارجية..الخ.
وجاءت المرحلة الثانية من المباراة، عندما بدأت أعمال الحرب التقليدية (غير النووية) حيث عرض كل جانب خطته العسكرية. وتمثلت القوات البريطانية في وجودها بمسرح عمليات غرب أوروبا، أساسًا في ألمانيا. ثم جاء دور القوات السوفيتية، التي كنت أنا أدير معركتها، ومعي مجموعة من الضباط الإنجليز والأجانب. وتم اختياري لهذا المنصب في المباراة الحربية لأننا في مصر ننتهج العقيدة الشرقية (السوفيتية) حيث تم عرض الخطط العمليات واسلوب ادارة القتال في ذلك الوقت.
وفي الاسبوع الماضي كنت في زيارة الى كلية الدفاع وخلال وجودي هناك، شرفني اللواء حسام عكاشة، مدير كلية الدفاع، لكي اشاهد تنفيذ المباراة الحربية في نهاية دورة كلية الدفاع – والتي تُعرف الآن بـ”المباراة السياسية” – بين دولتين، بالطبع الدولة المصرية ودولة معادية.
واستمرت هذه المباراة السياسية لمدة أسبوعين كاملين، شارك فيها الدارسون ممثلين كل طرف، عن وزارات ومؤسسات الدولة. وحقيقي لقد انبهرت جدا بالمستوي الراقي لكل الطلبة والدارسين بالتطور الذي شهدته كلية الدفاع المصرية في استخدام أحدث التكنولوجيا، وخاصة الحاسبات الإلكترونية، وأدوات السوشيال ميديا. خاصة ان كلية الدفاع من بين طلابها دارسيين من مختلف الوزارات المصرية.
حيث كانت جميع وزارات الدولة المصرية ممثلة في هذه المبارة من الطلبة والكل وضع خطة كل وزارة واسلوب عملها سواء في المرحلة التحضيرية للازمة او لادارة المعركة.
ومن الاجراءات التي اتبعها كلية الدفاع في تلك المباراه بانها تعاونت مع خبراء في هذا المجال، حيث حضر أحد وزراء الخارجية السابقين المصريين لمتابعة مجموعة الدارسين التي تمثل وزارة الخارجية. كما شارك مندوب من جهاز التعبئة العامة والإحصاء لمتابعة خطة التعبئة وكذلك كانت هناك متابعة من كل اجهزة الدولة المصرية لمتابعة الدارسين.
وقد كان اشتراك الدارسين من الدول العربية والإفريقية في هذا العمل الضخم شيئًا رائعًا، وسعدت جدًا به وبالمستوى العالي الذي قدموه، وبحجم الوثائق والخرائط التي أنتجتها المباراة حقيقي تقدم علمي رائع تنفذه العسكرية المصرية بهذا المستوى العلمي المتميز.
وكان التطوّر رائعًا في تلك المباراة في كلية الدفاع، إذ أبلغني السيد اللواء عاطف عبد الرؤوف مدير أكاديمية ناصر، أن القرارات وخطط المباراة السياسية يتم إرسالها إلى كلية الحرب العليا التي تدير الجزء الثاني في المباراة، ومنها إلى كلية القادة والأركان والتي تنفذ الجزء الثالث في مباراتها الحربية.
ولأن الحروب تنتهي دائمًا باتفاقيات السلام، فإنها تعود مرة ثانية إلى كلية الدفاع لإعداد مشاورات اتفاقية السلام. وحقيقي، كان شيئًا مشرفًا لمستوى التدريب الراقي لضباط القوات المسلحة، في أسلوب ادارة الحرب بكل جديد لكي نرى القوات المسلحة، بكل هذه الكليات والطلبة، تعمل في نظام واحد متناسق.