تقارير و تحقيقات

تاريخ العلاقات الروسية/التركية

جريدة الأضواء المصرية

تاريخ العلاقات الروسية/التركية

بقلم نسمة سيف

تمتد جذور العلاقات التركية الروسية إلى قرونٍ من الصراع والتعاون، بدءاً من الحروب العثمانية-الروسية، مروراً بالحرب الباردة حيث وقفت تركيا في المعسكر الغربي، بينما كانت روسيا قلب الاتحاد السوفيتي. ومع انهيار الأخير في 1991، دخل البلدان مرحلةً جديدةً اتسمت بالحذر والفرص المتاحة:

– تركيا: سعت لملء الفراغ في الجمهوريات التركية الناشئة (كأذربيجان ودول آسيا الوسطى)، بينما حافظت على تحالفها مع الناتو.

– روسيا: حاولت الحفاظ على نفوذها في “الخارج القريب”، مع إعادة تعريف سياستها تجاه جارتها الجنوبية.

شكلت هذه الفترة (1991–2000) مختبراً لاختبار إمكانية تحول العداء التاريخي إلى شراكة، خاصةً مع تزايد الاعتماد المتبادل في قطاع الطاقة وتصاعد التهديدات الأمنية المشتركة (كالنزاعات في القوقاز).

تتميز منطقة الشرق الأوسط بحيوية فريدة من نوعها بالنسبة لموسكو، وليس من الغريب أن يكون اهتمام الاتحاد السوفياتي بشؤون هذه المنطقة تاريخيًا وله تأثير بعيد المدى. وقد ساهمت عدة عوامل متشابكة في تعزيز هذه الأهمية على مر العصور. تلعب منطقة الشرق الأوسط، التي تمتد من ساحل المحيط الأطلسي غربًا عبر شمال إفريقيا ووادي النيل وبلاد الشام وما بين النهرين وآسيا الصغرى وشبه الجزيرة العربية وصولًا إلى حدود إيران الشرقية، دورًا حيويًا كمنطقة عازلة تحمي الحدود الجنوبية لروسيا من أطماع خصومها. وفي الوقت نفسه، كانت هذه المنطقة تمثل حاجزًا أمام توسع نفوذ موسكو نحو الجنوب بالنسبة لخصوم روسيا والاتحاد السوفياتي .

لطالما وجد الغربيون أن تفسير أهداف السياسة الروسية، ومن بعدها السوفياتية، في الشرق الأوسط أسهل عندما ينطلق من رغبة موسكو في الوصول إلى موانئ المياه الدافئة المحيطة بالقارتين الآسيوية والإفريقية. وتحديدًا، يتعلق الأمر بالبحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، والخليج العربي، وبحر العرب، وصولًا إلى المحيط الهندي. ويعبر العديد من المحللين الغربيين، سواء في المجال السياسي أو العسكري، عن قناعتهم المستمرة بأن السيطرة على هذه البحار والممرات المائية الحيوية التي تربط بينها لا تزال تمثل هدفًا استراتيجيًا رئيسيًا للسوفيات، ومن المتوقع أن تبقى كذلك في المستقبل،بعيدًا عن مدى دقة وشمولية هذا التقييم الغربي التقليدي، من الواضح أن التوجهات والأهداف السوفياتية في منطقة الشرق الأوسط كانت محكومة بعدد من العوامل الأساسية الجغرافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية. ولا يزال بعض هذه العوامل يؤثر في سياسة موسكو تجاه المنطقة منذ عهد القياصرة، ثم بعد الثورة الاشتراكية وتأسيس الاتحاد السوفياتي .

تمتعت موسكو في عهد روسيا القيصرية بعمق استراتيجي جغرافي هائل نحو الشرق، حيث امتد نفوذها عبر آلاف الأميال في المناطق الفاصلة عن مراكز القوة الصينية واليابانية. ولم تشكل هاتان القوتان في أي مرحلة تهديداً خارجياً جاداً لروسيا حتى ذلك الوقت، أما من الناحية الجنوبية، فقد ظلت المناطق القريبة من موسكو هي الجزء الأكثر عرضة للخطر، حيث كانت السهول المفتوحة تشكل مساراً سهلاً لتدفقات القبائل التركية والمغولية. وكانت أوكرانيا الحالية تمثل حاجزاً طبيعياً في بعض الفترات التاريخية،لقد شكل التوسع الروسي التدريجي وتراجع النفوذ العثماني منذ عهد بطرس الأكبر نقطة تحول رئيسية في التوازنات الإقليمية. ويظهر جلياً أن العامل الجغرافي لعب دوراً محورياً في تحديد طبيعة العلاقات بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية.

تميز الموقع العثماني بسيطرته على الممرات المائية الحيوية، بما في ذلك مضيق البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة، مما منح الدولة العثمانية نفوذاً كبيراً في التحكم بالملاحة البحرية وحركة التجارة. وقد شكلت هذه السيطرة المائية عائقاً أمام طموحات روسيا القيصرية في التوسع نحو أوروبا، حيث كانت الممرات المائية العثمانية تشكل حاجزاً طبيعياً أمام التغلغل الروسي .

يتبين لنا أن العامل الجغرافي لعب دوراً محورياً في تحديد طبيعة العلاقات بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية. وقد تمثلت أهمية هذا العامل في عدة جوانب رئيسية:

1. الموقع الاستراتيجي للدولة العثمانية الذي جمع بين:

– السيطرة على الممرات المائية الحيوية (البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة)

– التحكم في مدخل البحر الأسود

2. التأثير الجيوسياسي الناتج عن هذا الموقع:

منح الدولة العثمانية نفوذاً قوياً في إدارة الممرات المائية، سمح لها بالسيطرة الكاملة على حركة الملاحة البحرية ، شكل حاجزاً طبيعياً أمام التوسع الروسي نحو أوروبا

3. العواقب على السياسات الروسية:

حد من قدرة روسيا القيصرية على التغلغل في القارة الأوروبية، خلق نقطة توتر دائمة في العلاقات العثمانية-الروسية، دفع روسيا للبحث عن منافذ بحرية بديل ، هذه العوامل الجغرافية الاستراتيجية تفسر الكثير من الصراعات والتوترات التي ميزت العلاقات بين القوتين خلال تلك الفترة التاريخية.

اتسمت السياسة التوسعية لروسيا القيصرية بسعيها الحثيث نحو الوصول إلى الموانئ البحرية الدافئة، وذلك لعدة أسباب استراتيجية واقتصادية:

1. السيطرة على بحر البلطيق:

– خاضت روسيا حرباً طويلة مع السويد استمرت تسع سنوات هدفها الرئيسي ضم الأراضي المطلة على بحر البلطيق

– أهمية هذا التوسع: قرب المنطقة من المراكز الاقتصادية الروسية، توفير منفذ بحري مباشر إلى أوروبا الغربية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى