“ما يحدث عالميًا: كيف يمكن لمصر أن تتعامل مع التحديات وهل يمكنها الاستفادة؟”
يكتب ✍✍✍ دكتور / علي جمال عبد الجواد مدرس أدارة الأعمال والمالية .
تعيش الاقتصاديات العالمية في فترة من التقلبات الكبرى، حيث يواجه العالم تحديات غير مسبوقة نتيجة لعوامل اقتصادية وجيوسياسية متعددة. تشمل هذه التحديات التضخم، حرب الطاقة، الاحتكاكات التجارية، تغيرات المناخ، والأزمات الصحية العالمية مثل جائحة كوفيد-19. هذه الأوضاع قد تؤثر بشكل مباشر على الاقتصادات الناشئة مثل مصر، مما يطرح تساؤلات حول كيفية تعاملها مع هذه التحديات، وهل من الممكن أن تجد فرصًا للاستفادة في هذا السياق المعقد؟
التحديات الاقتصادية العالمية الحالية
التضخم العالمي: يشهد العالم ارتفاعًا حادًا في معدلات التضخم، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية و دول الاتحاد الأوروبي. تتسبب ارتفاعات الأسعار في تقليص القوة الشرائية للمستهلكين مما يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في هذه البلدان.
حرب الطاقة: إثر الحرب الروسية-الأوكرانية، ارتفعت أسعار الطاقة بشكل كبير، مما ساهم في أزمة طاقة عالمية تؤثر على أسعار النفط والغاز وتحد من قدرة الدول على توفير الطاقة بأسعار معقولة.
الاحتكاكات التجارية: التوترات بين الصين و الولايات المتحدة بشأن الحرب التجارية والتكنولوجيا أثرت سلبًا على التجارة العالمية، وزادت من عدم اليقين في الأسواق المالية.
تغيرات المناخ: مع تزايد الاهتمام العالمي بتغير المناخ، يزداد الضغط على البلدان لتبني سياسات صديقة للبيئة، مما يخلق تحديات جديدة أمام الاقتصادات التي تعتمد على الوقود الأحفوري.
كيف يمكن لمصر أن تتعامل مع هذه التحديات؟
مصر، كدولة نامية، تواجه العديد من التحديات العالمية التي قد تعيق تقدمها إذا لم تُتخذ الإجراءات اللازمة. ومع ذلك، هناك العديد من الطرق التي يمكن لمصر أن تتعامل بها مع هذه التحديات:
تعزيز الاستدامة المالية: يجب على مصر أن تواصل تعزيز استدامتها المالية من خلال تنويع مصادر الإيرادات وتقليل الاعتماد على السلع المستوردة، مثل النفط والغاز، التي تمثل عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة. كما يمكن التركيز على التحول الرقمي في القطاعات المختلفة لزيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف.
استغلال موقع مصر الاستراتيجي: قناة السويس تظل من أهم الممرات التجارية في العالم. يمكن لمصر أن تستفيد من التوترات التجارية العالمية بتوسيع دورها كداعم لالتجارة العالمية، مما يتيح لها جذب الاستثمارات الدولية.
التوسع في الطاقة المتجددة: بالنظر إلى الارتفاعات الكبيرة في أسعار الطاقة، يمكن لمصر أن تُسرع من خططها للاستثمار في الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، مما يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويعزز من الأمن الطاقي.
تنمية الصناعات المحلية: يمكن لمصر تعزيز الصناعات المحلية من خلال توفير الحوافز للشركات المحلية والحد من الاعتماد على الواردات، مما يساعد في تحفيز النمو الاقتصادي وزيادة التوظيف.
هل يمكن لمصر الاستفادة من هذه الأوضاع؟
بالرغم من التحديات التي تواجهها مصر، إلا أن هناك فرصًا كبيرة للاستفادة من الأوضاع العالمية إذا تم اتخاذ قرارات استراتيجية فعّالة:
الاستفادة من ارتفاع أسعار المواد الخام: مصر يمكن أن تستفيد من ارتفاع أسعار المعادن مثل الذهب و الأسمنت و الحديد، حيث تمتلك البلاد احتياطيات معدنية كبيرة. تعزيز قطاع التعدين في مصر قد يساهم في رفع العوائد الاقتصادية.
الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار: مع التزايد في الطلب على التكنولوجيا الرقمية، يمكن لمصر أن تكون وجهة جاذبة للاستثمارات في قطاع التكنولوجيا، خاصة في مجالات الذكاء الصناعي و البلوك تشين و الابتكارات في الرعاية الصحية.
التوسع في السياحة: مع استقرار الوضع الصحي العالمي، يمكن لمصر أن تستفيد من الانتعاش في قطاع السياحة بسبب موقعها الجغرافي الغني بالمعالم التاريخية، مما يعزز من الدخل القومي ويوفر فرص عمل إضافية.
الاستثمار في الزراعة والصناعات الغذائية: مع ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء بسبب الأزمات العالمية، يمكن لمصر أن تستفيد من زيادة الإنتاج المحلي للغذاء وتوسيع الصادرات الزراعية إلى أسواق جديدة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط و أفريقيا.
التحديات الداخلية في مصر
الديون العامة: تواجه مصر تحديات كبيرة في التعامل مع الديون الداخلية والخارجية، والتي يمكن أن تلتهم جزءًا كبيرًا من الميزانية الوطنية، مما قد يحد من القدرة على الاستثمار في المشاريع التنموية.
البطالة والتضخم: على الرغم من التحسن في بعض القطاعات، إلا أن معدل البطالة لا يزال يمثل تحديًا، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم التي تؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.
الاستنتاج
مصر تواجه تحديات اقتصادية كبيرة في ضوء الأوضاع العالمية الحالية، لكن هناك فرصًا متاحة لتجاوز هذه التحديات والاستفادة من التحولات العالمية. يمكن للبلاد أن تستخدم موقعها الاستراتيجي، و ثرواتها الطبيعية، و استثماراتها في الطاقة المتجددة، و التوسع في التكنولوجيا كمزايا لدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام. لكن من أجل النجاح، يجب على الحكومة المصرية أن تتبنى سياسات اقتصادية مرنة تُعزز من النمو المستدام وتساعد في تحسين مستوى المعيشة.
