باسم الجمل يكتب: خفض الفائدة .. بداية التحول نحو النمو والاستقرار
كتب يحي الداخلى في خطوة اقتصادية طال انتظارها، أعلن البنك المركزي المصري في إجتماعه الأخير عن خفض سعر الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2020، لتكون هذه الخطوة كمؤشر قوي على بداية مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي، تعكس تطورا ملموسا في الأداء المالي والنقدي للدولة، ونجاحا نسبيا في احتواء الضغوط التضخمية التي أثقلت كاهل المواطن وقطاع الأعمال على مدار السنوات الماضية.
قرار البنك المركزي جاء بعد سلسلة من الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، ويحمل في طياته أبعادا متعددة، اقتصادية واجتماعية، تؤسس لتحول حقيقي نحو تحفيز الإنتاج، ودعم الاستثمار، واستعادة الثقة في السوق المحلية، فخفض الفائدة لا يعد فقط إجراء تقنيا يندرج في إطار سياسات التيسير النقدي، بل هو رسالة سياسية واقتصادية مفادها أن مصر بدأت تتجاوز مرحلة الصدمات وتتحرك نحو الاستقرار والنمو.
لم يكن قرار خفض الفائدة مفاجئا بالكامل، بل سبقه إشارات متواترة من البنك المركزي خلال الأشهر الأخيرة، حيث أظهرت بيانات التضخم تباطؤا نسبيا في وتيرته، إلى جانب تحسن بعض المؤشرات النقدية مثل استقرار سعر الصرف وزيادة الاحتياطي الأجنبي وجاءت هذه التطورات مدفوعة بإصلاحات مالية وهيكلية بدأت الدولة في تنفيذها ضمن برنامج متكامل يهدف إلى تقوية بنية الاقتصاد الوطني وتحسين بيئة الأعمال.
وبحسب محللين اقتصاديين، فإن خفض الفائدة خطوة ضرورية لتحريك عجلة الاقتصاد الحقيقي، خصوصا في قطاعات الإنتاج الصناعي والزراعي، التي تضررت كثيرا من ارتفاع تكاليف الاقتراض، لأنه حين تكون الفائدة مرتفعة، تعزف الشركات الصغيرة والمتوسطة عن التوسع والاقتراض للاستثمار، ما يؤدي إلى تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة.
من أبرز آثار هذا القرار،فتح الباب أمام استثمارات جديدة، سواء من المستثمرين المحليين أو الأجانب، حيث أن خفض تكلفة التمويل يحسن من جاذبية السوق المصرية وشكل ارتفاع الفائدة في السنوات الأخيرة، أحد العوائق الرئيسية أمام جذب رؤوس الأموال وتوسيع النشاط الصناعي والتجاري، ما جعل من الضروري اتخاذ خطوة جريئة تعيد التوازن بين متطلبات السيطرة على التضخم وتحقيق النمو الاقتصادي وسيكون القطاع الخاص المستفيد الأكبر من هذا التوجه، إذ يمكن أن تنخفض تكلفة الاقتراض بشكل كبير، ما يتيح له فرصا أوسع لتوسيع الإنتاج وتوظيف المزيد من العمالة كما أن هذا القرار سيعزز من فرص التمويل العقاري ويزيد من قدرة المواطنين على الحصول على وحدات سكنية بشروط أكثر يسرا، وهو ما له بعد اجتماعي مهم للغاية.
خفض الفائدة ليس قرارا اقتصاديا صرفا بل يمتد أثره إلى الجوانب الاجتماعية للمجتمع، فهو يخفف العبء عن كاهل الأسر المصرية المثقلة بقروض استهلاكية وتعليمية وسكنية فعندما تنخفض الفائدة، تقل الأقساط الشهرية، ويزداد الدخل المتاح للإنفاق، ما يعني تحسنا نسبيا في معيشة المواطن، وقدرة أكبر على الادخار أو الاستثمار في مشاريع صغيرة، كذلك، فإن خفض الفائدة يعد إشارة اطمئنان للشارع المصري بأن التضخم، الذي التهم الدخول في فترات سابقة، بدأ يخضع للسيطرة، وأن هناك توجها واضحا نحو استعادة الاستقرار في الأسعار وتحقيق النمو المتوازن كما يعكس هذا القرار ثقة الدولة في قدرتها على إدارة الملف الاقتصادي بكفاءة رغم التحديات العالمية المستمرة.
وبالرغم من الإيجابيات العديدة لهذا القرار، إلا أن هناك تحديات لا تزال قائمة، تتطلب الحذر في إدارة المرحلة المقبلة فالخفض المتسرع أو الكبير لسعر الفائدة قد يعيد الضغوط التضخمية، إذا لم يترافق مع سياسات مالية رشيدة، ورقابة قوية على الأسواق لضبط الأسعار كما أن قدرة الجهاز المصرفي على ضخ تمويلات إنتاجية بدلا من التركيز على أدوات الدين الحكومي ستكون عنصراً حاسماً في نجاح هذه السياسة بالإضافة إلى أن تفعيل دور البنوك في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تبسيط الإجراءات الحكومية وتحسين بيئة الاستثمار، سيشكلان شرطا أساسيا لترجمة هذا القرار إلى نتائج ملموسة على الأرض فلا جدوى من خفض الفائدة إذا لم يجد المستثمر بيئة داعمة، ولا معنى لتحفيز الاقتراض إن لم يكن هناك إنتاج حقيقي يسهم في خفض البطالة ورفع مستوى المعيشة.
في النهاية، يمثل قرار البنك المركزي المصري بخفض سعر الفائدة محطة مهمة في مسار الإصلاح الاقتصادي، ويمنح الاقتصاد الوطني دفعة جديدة نحو التعافي والتنمية لكنه في الوقت ذاته يفرض مسؤولية مضاعفة على الحكومة والبنك المركزي والمجتمع المصرفي، لترجمة هذه السياسة إلى نمو حقيقي وتحسن ملموس في حياة المواطن.
إنها لحظة تستوجب التكاتف والعمل المشترك، لتحقيق أقصى استفادة من هذه النافذة الاقتصادية، والبناء على ما تحقق من استقرار نقدي، لضمان مستقبل أكثر إشراقا تكون فيه الفائدة الحقيقية هي رفاهية المواطن، وازدهار الإنتاج.