متى يجد العبد طعم الراحة بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حمد الشاكرين، ونشكره شكر الحامدين وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صلي وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وصحبه اجمعين، حق قدره ومقداره العظيم أما بعد إن من الأسباب المعينه على الإستقامه هى المجاهدة، وذلك بأن تعلم أن الإستقامة لا تتحصل بالهجوع في المضاجع، ولا بالإستمتاع بكل ما لذ وطاب من الشهوات والملذات، بل تتأتى بالمجاهدة والمثابرة والمصابرة، فإن مجاهدة للنفس والهوى والشيطان، ومثابرة على فعل المأمورات والإكثار من الطاعات ومصابرة عن الشهوات والمنهيات، حتى تأتي بأمر الله تعالي على تمامه.
فقيل للإمام أحمد رحمه الله متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال إذا وضع قدمه في الجنة، وقال الإمام الشافعى رحمه الله لا ينبغى للرجل ذي المروءة أن يجد طعم الراحة، فإنما هو في هذه الحياة الدنيا في نصب حتى يلقى الله تعالى، فإن الله عز وجل لا يمن عليك بالإستقامة ويذيقك لذتها ويعطيك ثوابها، إلا إذا ثابرت عليها وعملت لها ودعوت الناس إليها، وجاهدت حتى تصل إليها، وأيضا رفقة أهلها، وهذا من أكبر العون عليها، ومن أعظم أسباب الثبات عليها، وقد قال جعفر بن محمد ” كنت إذا أصابتني فترة جئت فنظرت في وجه محمد بن واسع، فأعمل بها أسبوع ” وإنما سهلت الطاعة في شهر رمضان للعباد لكثرة الطائعين، ووجود القدوات ييسر الأعمال، وإنما الوحشة في التفرد والغفلة تركب الواحد وهي من الإثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وإن من ذاق حلاوة طاعة الله تعالى في رمضان، فحافظ فيه على الواجبات وترك فيه المحرمات، فليحافظ حتى إذا إنقضى الشهر المبارك ولا ينسلخ من آيات الله، ولا ينقض غزله من بعد قوة أنكاثا، فعلى الذين كانوا يحافظون على الصلاة فلما إنقضى رمضان أضاعوها وإتبعوا الشهوات، وعلى الذين كانوا يجتنبون شرب المحرمات ومشاهدة المنكرات وسماع الأغنيات فلما غاب رمضان عادوا إليها، وعلى الذين كانوا يعمرون المساجد ويداومون على قراءة القرآن الكريم فلما مضى رمضان هجروا المساجد وهجروا القرآن، وقد قال أهل العلم إن من أعظم علامات الرد وعدم القبول عودة المرء إلى قبيح الأعمال بمجرد إنتهاء زمان الطاعة، ولقد علمنا ديننا الإسلامي الحنيف أن العبادة لا تنقطع ولا تنقضي بإنتهاء مواسمها فما يكاد ينتهي موسم إلا فتح الله تعالي لنا موسما آخر.
فبمجرد إنتهاء آخر ليلة من رمضان بدأت بشائر موسم الحج، وهو الأشهر المعلومات فى قوله تعالى “الحج أشهر معلومات” وأولها بإتفاق أهل العلم هو بداية شهر شوال، وسن لنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال كما جاء في صحيح مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر” وليس لإنقضاء العبادة غاية إلى الموت كما قال تعالى لنبيه “واعبد ربك حتى يأتيك اليقين” ويقول تعالى “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا” أى أخلصوا العمل لله عز وجل، وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم.