نفحات إيمانية ومع الإيمان واليقين ” الجزء الرابع “

نفحات إيمانية ومع الإيمان واليقين ” الجزء الرابع ”
ونكمل الجزء الرابع مع الإيمان واليقين، وإن العلم الشرعي هو باب واسع للسعادة وأهله أشرح الناس صدرا، وأوسعهم قلوبا، وأحسنهم أخلاقا، وأطيبهم عيشا، أما الجهل فهو يورث الضيق والحصر والحبس وصدق الله “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” ومن أسباب السعادة أيضا هو دوام ذكر الله على كل حال، فبذكر الله تطمئن القلوب، وتورث الغفلة ألوانا من الضيق والعذاب، وهي طريق إلى موت القلوب “ومثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت” ومصيبة أن يميت الإنسان نفسه وهو يعد في عداد الأحياء؟ وأعظم ممن ذلك أن يرضى المرء بقرين الشيطان عوضا عن الأنس بالله، وإن نفع الخلق والإحسان إليهم بالمال أو الجاه أو البدن كل ذلك يورث السعادة.
فإن المحسنين الكرماء أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا، أما البخلاء فهم أضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا، فإذا أورث الكرم السعادة وانشراح الصدر، فكذلك الشجاعة تورث السعادة، فالشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب، والجبان أضيق الناس صدرا وأحصرهم قلبا وإن لذة الحياة وجمالها وقمة السعادة وكمالها لا تكون إلا في طاعة الله، ومهما ابتغيت السعادة بغير ذلك فهي وهم زائف، وما أهون الحياة الدنيا على الله وقد حكم على متاعها بالقلة مهما تكاثر أو تطاول في أعين الجاهلية “قل متاع الدنيا قليل” وحذارى أن تغرك سعادة لحظة عن السعادة الأبدية، أو تفتن بلذة عاجلة تعقبها ندامة آجلة، احذر أن تكون في حضيض طبعك محبوسا.
وقلبك عما خلق له مصدودا منكوسا، حذار أن ترعى مع الهمل، أو تستطيب لقيعات الراحة والبطالة، وتستلين فراش العجز والكسل، فتبصر حين تبصر وإذا بجياد الآخرين قد استقرت في منازلها العالية وأنت دون ذلك بمراحل وتود الرجعة لتعوض ما فات ولكن هيهات، فكيف ترجو السعادة وتأمل النجاة ولم تسلك مسالكها، وهل رأيت سفينة تجري على اليابس؟ فحاسب نفسك على الصلاة ولا تأمل السعادة وأنت ساه مضيع لها والله يقول “فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون” ولقد أخطأت الفهم حين قدرت أن سماع الغناء المحرم وسيلة لسعادة والأنس في هذه الحياة، وفي ذلك ضلال عن طريق الهدى والرشاد، وأن هناك من أسعد غيره فشفاه الله من مرضه.
فقيل أن هناك أستاذ جامعي ابتلاه الله بمرض في القلب، فسافر إلى أوروبا لإجراء جراحة عاجلة، فلما قرر الأطباء الجراحة وظن أنه ربما يموت، قال أمهلوني ثلاثة أيام لأرجع إلى أهلي لألقي عليهم نظرة أخيرة، ولأرتب بعض الأمور، فإن قدر الله عليَّ الوفاة أكون مطمئنا، فعاد الرجل وقبل أن يسافر بيوم إلى الطبيب بالخارج مرة أخرى لإجراء الجراحة، كان يجلس إلى جوار صديق له في مكتب إلى جوار جزار، ولفت نظره امرأة كبيرة تلتقط العظم وبعض قطع اللحم النيئ من الأرض وتضعه في سلة معها، فتعجب الرجل وخرج ونادى على هذه الأم الكبيرة، وقال ما تصنعين يا أماه؟ قالت والله يا بني لقد رزقني الله خمسا من البنات، ما ذاقوا طعم اللحم منذ عام تقريبا.
فأنا أجمع لهم بعض هذه القطع، فبكى الرجل وتأثر ودخل على هذا الجزار وقال يا أخي هذه المرأة ستأتيك في كل أسبوع وأعطها من اللحم ما تريد، قالت لا، أريد كيلو فقط، قال بل أعطها اثنين، وأخرج من جيبه مباشرة قيمة لحم لعام كامل مقدما، فبكت المرأة ولم تصدق، ورفعت يديها تتضرع بالدعاء إلى الله جل وعلا أن يسعد هذا الرجل وهو صاحب القلب المريض، فيقول والله ما إن عدت إلى بيتي إلا وأنا أشعر بهمة ونشاط وسعادة، حتى لو كلفوني بهدم بيت لفعلت ذلك، ويقول فلما دخلت قابلتني ابنتي وقالت ما شاء الله يا أبي أرى اليوم حركتك ونشاطك وجدك زاد، ما هذا؟ أرى وجهك يتهلل وتعلوه البسمة والسعادة، فقص عليها القصة فبكت البنت.