فريضة الحج وبناء الكعبة المشرفة ” الجزء الثالث”

فريضة الحج وبناء الكعبة المشرفة ” الجزء الثالث”
ونكمل الجزء الثالث مع فريضة الحج وبناء الكعبة المشرفة، فإذا قال قائل أنا طالب علم وفي حاجة إلى الكتب، فهل أشتري بما عندي من المال الكتب التي أحتاجها أو أحج؟ فالصحيح أن يشترى الكتب التي يحتاجها لأن حاجته للكتب كحاجته للطعام والشراب الكمالي ليس الضروري، فإذا كنت محتاجا إلى الكتب التي لا بد لك منها فإنه لا يجب عليك الحج حتى تؤمن هذه الكتب، وهذا لا شك أنه من نعمة الله عز وجل، ومن رحمته بعباده، فإن قال الإنسان أنا علي دين وسمح لي أهل الدين أن أحج فهل أحج؟ فالصحيح هو لا، لأنهم وإن سمحوا لك فلا يسقط عنك شيء من الدين، والكلام على شغل الذمة، نعم، ولو قالوا حج ونحن نسقط عنك من دينك بمقدار ما أنفقت في الحج.
حينئذ أصبح الحج لا يضره فليحج، أما إذا حج وأنفق الدراهم في الحج تعذر وفاء الدين، فهنا نقول لا تحج لأن الأمر في هذا واسع، وإذا كان مع الإنسان صبيان لم يبلغوا من ذكران أو إناث، هل الأفضل أن يحج بهم أو الأفضل أن يتركهم ولا يحرم بهم؟ وهو إن كان في إحرامهم مشقة عليهم أو عليه فالأفضل ألا يجعلهم يحرمون لأن الحج لم يجب عليهم بعد، وكونك تعمل عملا يشق عليهم أو يشق عليك بدون حاجة إلى ذلك خلاف الصواب، والآن المشقة متوقعة في موسم الحج، الرجل البالغ الكبير لا يتخلص إلا بمشقة، فكيف إذا كان معه صبيان يحملهم أو صبيان يقودهم، ففي ذلك مشقة، وسوف ينشغل بهم عن أداء النسك، سوف يطوف وقلبه يوجل، ويسعى وقلبه يوجل.
وكيف يسعى ومعه هؤلاء الصغار؟ لذلك نرى أنه في مثل هذه العصور الأفضل ألا يحرم بهم، يستصحبهم ولا بأس، وإذا وصل إلى مكة يجعلهم في البيت أو في الخيمة، وينزل إلى المطاف والمسعى، ويسعى بنفسه ليستريح ويريح صبيانه،إذن وجب على الإنسان الحج، ولكنه لم يتمكن منه فمات، فهل يقضي عنه من تركته؟ وهل يقدم على الثلث أو الثلث قبله أو ماذا؟ فإنه إذا وجب على الإنسان ولكن لم يقدر له أن يحج، إما لأنه قال الحج هذه السنة فيه صعوبة أو مشقة، لكني قادر ولم يحج، فإنه إذا مات يكون الحج دينا في ذمته، ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟
قال “أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت نعم، قال اقضوا لله فشبه النبي صلى الله عليه وسلم الحج بالدين، وعلى هذا فإذا مات هذا الرجل فأول ما نخرج مؤنة تجهيزه، مثل أجرة الغاسل، قيمة الكفن، قيمة الحنوط، قيمة القبر إذا كان لا بد من ثمن لهذه الأشياء، ثم بعد ذلك نأخذ مقدار نفقة الحج قبل الوصية، ثم بعد أن نأخذ مقدار نفقة الحج نأخذ الوصية من الباقي، فإن كانت الوصية بالخمس الباقي، إن كانت بالثلث أخذنا ثلث الباقي وهلم جرا، وإن كانت بالنصف فلا يمكن لأنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث إلا برضا الورثة، فإذا قدر أن هذا الميت الذي لم يحج مع وجوب الحج عليه لم نجد خلفه إلا مقدار نفقة الحج، فإذا أخذنا هذا الذي عنده لم يبق للورثة شيء ولم يبق للوصية شيء؟
نقول نقدم الحج، وتبطل الوصية، ويسقط حق الورثة؛ لأن الدين مقدم على كل شيء، وإذا قدرنا أن هذا الرجل الذي مات وقد وجب عليه الحج كان عليه دين للآدميين فهل نقدم الحج أو دين الآدمي؟ فإن الجواب يتساويان، فإذا أمكن أن نقضي الدين ونحج عنه فعلنا، وإذا لم يمكن تقاسمناه، فإذا كان الباقي لا يمكن أن يكفي للحج حينئذ صرفنا المال كله للدين، وأما عن الكعبة المشرفة فإن أول من بنى الكعبة المشرفة هم الملائكة، وتفيد الروايات التاريخية أن الكعبة بنيت إثنى عشر مرة عبر التاريخ، وكان أول من بنى الكعبة هم الملائكة وآدم وشيث بن آدم ونبى الله إبراهيم وإسماعيل والعمالقة وجرهم وقصي بن كلاب وقريش وعبد الله بن الزبير عام خمسة وستين من الهجرة.