عندما وسد الأمر إلى غير أهله بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : الثلاثاء الموافق 17 ديسمبر 2024 الحمد لله مولي النعم، ودافع النقم، وخالق الخلق من عدم، أحمده سبحانه، وهو للحمد أهل، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، وبعد لقد صار المثل الأعلى لأولادنا لاعب كرة، أو فنانا من الفنانين، صار المثل الأعلى لكثير من أولادنا هم هؤلاء، وقدم هؤلاء على أنهم المثل، وعلى أنهم القدوات، حتى لا يخرج الولد ليفكر في الجهاد أو ليفكر في العلم، ووسد الأمر إلى غير أهله، فمن الذي تصفق لهم الجماهير المخدوعة؟ ومن الذي تذلل لهم الصعاب، وتيسر لهم الأسباب، وتفتح لهم جميع الأبواب؟ هذا، وكثير منهم يجب أن يقام عليه حد الله تعالي ولكن الأمة الآن قلبت الموازين.
ووسدت الأمر إلى غير أهله، ووقعت في الخيانة، وأخيرا خيانة على مستوى الأفراد فالكلمة أمانة، والعلم أمانة، فإن اتقى العالم ربه وأدى ما يدين به لله بحكمة بالغة فهو أمين، وإن زور بهذا العلم الفتاوى لذوي السلطان فهو خائن، فقال صلى الله عليه وسلم “من سُئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار، ومن تعلم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار” رواه أحمد، والمجالس أمانة، فقد يجلس المسلم مع أخيه ويخرج بعد ذلك لينقل كل ما دار بينهما في المجلس، من فعل هذا فهو خائن، إنما المجالس بالأمانة، فكم من الناس من قد خان هذه الأمانة وكم من زوج قد خان زوجته وكم من زوجة قد خانت زوجها وأقصد الخيانة العفنة المعروفة بالزنا.
وكذلك خيانة الكلمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه “إن من أشر الناس يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها” وخصوصا إذا كان السر متعلقا بأسرار الفراش فيجلس على المقهى أو بين زملائه في الوظيفة ليحدث بكل ما دار بينه وبين امرأته في الفراش، أو تجلس المرأة لتحدث زميلاتها وجيرانها بما دار بينها وبين زوجها في الفراش، وهذه خيانة عفنة، وكما أن الأولاد أمانة، فكم من الآباء من قد خان هذه الأمانة وكم أم قد ضيّعت هذه الأمانة، فترك الوالد أولاده، وظن أن وظيفته أنه ممثل لوزارة المالية فحسب، فإن وجد عنده رمق من الوقت قتله قتلا بالجلوس مع هاتفه أو أمام التلفاز، مع أنه لو جلس بين أولاده ولو كان صامتا لا يتكلم.
ففي جلوسه من عمق التربية ما فيه، فكيف إن تكلم فذكّر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف إن تكلم فأخذ أولاده إلى بيت من بيوت الله تعالي، أو إلى مشهد من هذه المشاهد التي تملأ القلب بالإستعلاء وبالإيمان وبالعزة التي افتقدتها الأمة منذ أمد بعيد؟ وكم من أم خانت الأمانة فضيعت أولادها وذهبت إلى الوظيفة، وهي ليست في حاجة إلى الوظيفة، وخرجت إلى الأسواق لتضيع الوقت، وهي ليست في حاجة إلى هذا، وكل همها أن تبحث عن الموضات والموديلات وضيعت الأولاد، والوظيفة أمانة، فكم من الموظفين من قد خان الأمانة بدعوى أن الراتب لا يتلاءم ولا يتواءم مع الجهد الذي يبذله، فيخون الأمانة بأخذ الرشاوى، أو بتضييع العمل مع حاجة العمل إليه، أو بالتعسير على المسلمين وتعطيل مصالحهم.