لماذا فسدت الأخلاق والسلوك بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : الأحد الموافق 1 ديسمبر 2024 الحمد لله وفق من شاء للإحسان وهدى، وتأذن بالمزيد لمن راح في المواساة أو غدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها نعيما مؤبدا، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أندى العالمين يدا وأكرمهم محتدا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل التراحم والاهتدا وبذل الكف والندى، ومن تبعهم بإحسان ما ليل سجى وصبح بدا، وسلم تسليما سرمدا أبدا، ثم أما بعد يقول النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فكأن مكارم الأخلاق بناء شيّده الأنبياء، وبُعث النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم ليتم هذا البناء، فيكتمل صرح مكارم الأخلاق ببعثته صلى الله عليه وسلم ولأن الدّين بغير خُلق كمحكمة بغير قاضي، كذلك فإن الأخلاق بغير دين عبث.
والمتأمل في حال الأمة اليوم يجد أن أزمتها أزمة أخلاقية لذلك نتناول في هذه السلسلة بعض المفاهيم الأخلاقية، وبعض محاسن الأخلاق التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ومساوئ الأخلاق التي يجب على المسلم أن يتخلى عنها، والخلق هو السجية والطبع والدين، وهو صورة الإنسان الباطنية، أما صورة الإنسان الظاهرة فهي الخُلق لذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ” واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيّئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ” رواه مسلم، ويوصف المرء بأنه حسن الظاهر والباطن إذا كان حسن الخَلق والخُلق، والخُلق هو عبارة عن هيئة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر ولا روية، وهذه الهيئة إما أن تصدر عنها أفعال محمودة.
وإما أن تصدر عنها أفعال مذمومة فإن كانت الأولى، كان الخُلق حسنا، وإن كانت الثانية، كان الخُلق سيئا، وهناك فرق بين الخُلق والتخلق، إذ التخلق هو التكلف والتصنع، وهو لا يدوم طويلا، بل يرجع إلى الأصل، والسلوك المتكلف لا يسمى خلقا حتى يصير عادة وحالة للنفس راسخة، يصدر عن صاحبه في يسر وسهولة فالذي يصدق مرة لا يوصف بأن خلقه الصدق، ومن يكذب مرة لا يقال إن خلقه الكذب، بل العبرة بالإستمرار في الفعل، حتى يصير طابعا عاما في سلوكه، ويمكن تبيّن أهمية الأخلاق في الإسلام من عدة أمور، منها أن جعل النبي صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثته الدعوة للأخلاق، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”
ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب أهمية الخلق، بالرغم من أنه ليس أهم شيء بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أجله فالعقيدة أهم منه، والعبادة أهم منه، ولكن هذا أسلوب نبوي لبيان أهمية الشيء، وإن كان غيره أهم منه، فإن قال قائل ما وجه أهمية الخلق حتى يقدم على العقيدة والعبادة؟ فالجواب إن الخلق هو أبرز ما يراه الناس، ويدركونه من سائر أعمال الإسلام، فالناس لا يرون عقيدة الشخص لأن محلها القلب، كما لا يرون كل عباداته، لكنهم يرون أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها لذا فإنهم سيقيمون دينه بناء على تعامله، فيحكمون على صحته من عدمه عن طريق خلقه وسلوكه، لا عن طريق دعواه وقوله.