ضرورة تكوين الضمير وتنميته بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل حب الوطن أمرا فطريا والصلاة والسلام على من ارسله الله تعالى رسولا ونبيا وعلى آله وصحابته والتابعين لهم في كل زمان ومكان، أما بعد يؤكد علماء النفس ضرورة تكوين الضمير وتنميته، وأن السبيل إلى ذلك هو قراءة الحكم وسماع المواعظ، ونقول لهم ما بالكم بحفظ كلام الله تعالي المعجز والتعبد بتلاوته؟ هل يتساويان؟ فالمتدبر للقرآن تنتابه حالة الهدوء وراحة البال ويشعر بنقاء سريرته وصفاء ذهنه ويقظة ضميره، وإن فهم القرآن والعمل بما فيه يؤدي إلى الإستقرار النفسي والتوازن الإنفعالي والثبات العاطفي، وهذا ما يجعل أصحاب القرآن أقل عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والعقلية، بل يكاد ينعدم تعرضهم لاضطرابات نفسية، وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي.
فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مه مه” قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تزرموه دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه”وعن معاوية بن الحكم السلمي قال بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت واثكل أمّياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني.
قال “إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ” كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يبيّن للناس الأمور بالرفق، ومن ذلك الشاب الذي طلب منه أن يأذن له بالزنى، فعن أبي أمامة قال إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا مه مه، فقال “ادنه”، فدنا منه قريبا، قال فجلس، قال “أتحبه لأمك؟” قال لا والله جعلني الله فداءك، قال “ولا الناس يحبونه لأمهاتهم” قال “أفتحبه لابنتك؟” قال لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال “ولا الناس يحبونه لبناتهم” قال “أفتحبه لأختك؟” قال لا والله جعلني الله فداءك، قال “ولا الناس يحبونه لأخواتهم؟” قال “أفتحبه لعمتك؟” قال لا والله جعلني الله فداءك، قال “ولا الناس يحبونه لعماتهم” قال “أفتحبه لخالتك؟”
قال لا والله جعلني الله فداءك، قال “ولا الناس يحبونه لخالاتهم” قال فوضع يده عليه، وقال “اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء، إن مجال العلوم الإنسانية في العصر الحاضر قد حوى كثيرا من المفاسد الفكرية، واقترن به كثير من الانحرافات العقدية، فقد انتشر الإلحاد منذ القرن التاسع عشر، حيث صيغت العلوم الإنسانية، وجذور العلوم البحتة، على أسس الإلحاد بالله، والتفسيرات المادية، وإنتشر إنتشارا لا سابق له في الجاهليات القديمة، وقد إشتدت في هذا القرن حيث تنوعت وتطورت الوسائل الناقلة لها، وفرضت المبادئ الإلحادية على كثير من الشعوب الإسلامية، ووضعت أسس العلوم الإنسانية والمادية على أيدي غير المسلمين.
فأقيمت على قواعد إلحادية في معظمها، ونظريات جاهلية، تهدف إلى حرف العقائد والسلوك، وتسير بمن يتعلمها إلا من رحم الله ليلتقي من حيث لا يشعر مع طريق اليهود والنصارى أو الملحدين في فكره ومنهج حياته، وتصوراته في الكون والحياة.