مقال

الحذر لا ينجي من القدر

جريدة الأضواء المصرية

الحذر لا ينجي من القدر
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، إن الإبتلاء سنة الله تعالي في خلقه، فهي سنة علينا وعلى من سبقنا ومن سيأتي بعدنا، وإن الدنيا هي دار إمتحان وإختبار وأسقام وأكدار، فتذكر أخي المكروب أن هناك خلقا غيرك ممن حلت بهم المصائب، فلست وحدك في ساحة الابتلاء بل لا أبالغ إذا قلت إنه لا يوجد أحد إلا ولديه ما يهمّه ويحزنه، وإن الدار التي ليس فيها كدر ولا حزن هي الجنة جعلني الله وإياك من أهلها، نعم تلك المحلّة التي يكون فيها النعيم والسرور سرمديا أبديا، لا يحول ولا يزول، وأهلها في فرح دائم ومتعة باقية فاصبر وصابر لها واحصد ما إستطعت من الحسنات فلعلك أن تظفر بها وتكون من أهلها.

فإن هذه الدنيا أيها الحبيب مليئة بالهموم والأكدار، فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “إن لكل فرحة ترحة وما مليء بيت فرحا إلا مليء ترحا” وقال ابن سيرين “ما ضحك إلا كان بعده بكاء ” وإن المصيبة حين تحل بالعبد فلابد أن يكون لنزولها سب وهذا السبب في غالب الأمر لأجل ما كان من العبد من معصية إجترحتها يداه، أو تفريط في طاعة مولاه، وقال الله تعالى “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير” وقال سبحانه وتعالي ” أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير ” وروى الطبري عن البراء رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما اختلج عرق، أي اضطرب ولا تحرك عرق ولا عين إلا بذنب وما يدفع الله أكثر ” وقال ابن سيرين رحمه الله ” إني لأعلم الذنب الذي حرمت به قيام الليل أربعة أشهر ذاك ني قلت لرجل يا مفلس “

وقال أبو سليمان الداراني ” قلّت ذنوبهم فعرفوا من أين أوتوا وكثرت ذنوبنا فلم ندري من أين نؤتى ” والله المستعان، وسار أحد العلماء ومعه أحد طلابه فمرّت امرأة فأطلق الطالب بصره فيها، فقال الشيخ ” والله لتجدن غبها ولو بعد حين ” فنسي القرآن بعد أربعين سنة وقد كان حافظا له فنعوذ بالله من سخطه وعقابه، وإن الرضا بالقضاء والقدر واجب علينا أيها المسلمون، فإنه تقدير الله تعالى للإشياء في القدم وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة وعلى صفات مخصوصة وكتابته لذلك ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها، والقرآن الكريم ذكر ذلك في كثير من الايات كقوله على سبيل المثال في سورة القمر ” إنا كل شيء خلقناه بقدر” وهذه اية ومثال وعدد الأيات التي تكلمت عن القضاء والقدر عشرة، منثورة في تضاعيفه، والسنة النبوية المطهرة كانت لها أربع أدلة صرحت بالقضاء والقدر.

منها حديث جبريل المشهور وفيه “وان تؤمن بالقدر خيره وشره” وعلى ذلك إجمعت الأمة على وجوب الايمان به، وحتى الجاهلية قبل الاسلام عرفت القدر ولم تنكره، فأفصحوا عنه بخطبهم، واشعارهم، ولما نردد الكلمة المشهورة على السنة الناس بأن الحذر لا ينجي من القدر، ونتذكر قائلها وهو هاني بن مسعود الشيباني، أباح بها يوم ذي قار في الخطبة التي ألقاها، فما من شيء الا وقد خلقه الله بقدر، قال الحسن البصري رحمه الله في كلمته عن القدر “إن الله خلق خلقا فخلقهم بقدر، وقسم الآجال بقدر، وقسم أرزاقهم بقدر، والبلاء والعافية بقدر” فعن عتبة بن عبد السلمي فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل ” وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا إحتسبته “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى