هناك في إسرائيل إشرات لا تخطئها العين ان اصوات القوي المعارضة للسلام قد عادت للظهور بقوة علي المسرح السياسي والاعلامي لتشكل تيارا محسوسا يريد ان يسترجع اصداء الماضي تارة بترويج المخاوف من السماح بنشوء دولة فليسطينيه الي جوار دولة اسرائيل وتارة اخري بالقول بأن قبول الانسحاب من القدس والضفة الغربيه يمثل خيانه للحلم التوراتي الذي قامت علي اساسه الدولة العبريه. وفي اعتقادي هذا التيار لم ينشأ من فراغ وإنما هو بقايا عقلية قديمة غرست هذه المفاهيم في عقول اجيال متتاليه اصبحت بفعل تراكمات كثيره. مؤهلة لتصديق كل مايثير الشكوك في جدوي عملية السلام. وضرورة إبقاء اسرائيل في حالة استنفار دائم يضمن امنها بدلا من مغامرة الاسترخاء تحت وهم سلام مشكوك في جديته مع العرب بشكل عام ومع (فلسطين) بشكل خاص واذا جاز الاجتهاد في محاولة التوصل لجذور هذا التيار فإنه يمكن القول بأن افكار اول رئيس وزراء لإسرائيل (ديفد بن جوريون) هي المنيفستو الاساسي الذي يستلهمون منه حركتهم ويبنون علي اساسه مواقفهم واتجاهاتهم حتي اليوم. ولابد هنا من ايضاح ضروري. دون اخلال بسياق الحديث. وهو ان غالبية حكام اسرائيل منذ نشأتها من تلاميذ بن جوريون ومريديه والذين يعيشون علي افكاره باعتباره مؤسس دولة اسرائيل تحت راية الفأس والبندقيه وصاحب نظرية فرض الصلح علي العرب بالقوة واعدام فكرة التفاوض المتكافئ. وبن جوريون هو صاحب المدرسه السياسيه الإسرائيلية التي تقول بعدم توقيع معاهدة صلح شامل مع الدول العربيه دفعة واحده وإنما ضرورة الصلح المنفرد إذا كانت هناك ضغوط علي اسرائيل تحتم قبولها لمبدأ المصالحه ثم ان بن جوريون هو الذي زرع في عقول الاسرائيليين فكرة عدم وضع خريطة نهائية لإسرائيل تحسبا لاحتمالات التوسع والاستيطان. والحقيقة ان تيار العودة لأحلام الاسطورة يرتكز علي عوامل نفسيه في المقام الاول. ومنها علي سبيل المثال اسطورة تقول إن بني إسرائيل لم يعرفوا كلمة الحدود علي امتداد تاريخهم الطويل. ويستشهدون علي ذلك بالمقابلة الشهيرة التي جرت في باريس بين الرئيس الفرنسي الاسبق شارل ديجول وثعلب إسرائيل العجوز ديفد بن جوريون قبل حرب يونيو 1967 بعدة سنوات… كان ديجول قد وجه سؤالا محددا ل بن جوريون. ماهي الحدود التي تري إسرائيل انها حدود امنة. وراح بن جوريون يحاول الهروب من الإجابة عن السؤال بذكر تهويمات تاريخية لا علاقة لها بالموضوع. وحينئذ ادرك ديجول بحنكته السياسيه ان بن جوريون اختار عدم عدم الرد على سؤاله. وان المعني الوحيد لذلك ان إسرائيل لاتريد ان تلزم نفسها بحدود. ثم تندم علي ذلك مستقبلا عندما تلوح امامها فرص الامتداد والتوسع