مقال

أول سوق نبوي في الأرض

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أول سوق نبوي في الأرض
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 11 مايو 2024

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، الحمد لله ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله الذي جعلنا من عباده المسلمين، الحمد لله الذي جعلنا من عباده المصلين، نسأل الله أن يثبتنا على ذلك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد يعد سوق المناخة هو أول سوق في الأرض يؤسسها نبي، وهو كموقع اقتصادي وتاريخي بنفس الوقت يعتبر أحد الأماكن ذات العبق التاريخي المرتبطة بالعهد النبوي، ويقع غرب المسجد النبوي ويبدأ شمال مسجد الغمامة وهو المصلى، ويمتد إلى القرب من ثنيات الوداع شمال المدينة المنورة قديما، أي يحدّ سوق المدينة من الجنوب مسجد الغمامة أو المصلى، ويمتد حتى شرق جبل سُليع أو باب الكومة.

وقد اشتهرت المناخة كذلك بأن جزءا منها وهو الجزء الشمالي الأقرب إلى ثنية الوداع كان مركزا لمسابقة الخيول، ولقد بقي هذا السوق صامدا كموقع حتى وقت قريب يعرفه أهل المدينة جيدا، وكان فضاء رحبا لا أبنية فيه يحضر التجار إليه صباحا، ومن سبق إلى موقع وضع بضاعته فيه ويتاجر إلى نهاية اليوم حيث يحمل متاعه ليعود في اليوم الثاني، ولم تذكر المصادر مساحة محددة للسوق بالضبط، كما لا توجد له أبعاد من حيث الطول، أو العرض في أول إنشائه غير أنه محدود بمواقع وأبنية معينه، فقد نقل ابن زبالة أن عرض سوق المدينة ما بين المصلى أي من القبلة إلى جرار سعد بن عبادة وهي جرار كان يسقى الناس فيها الماء بعد موت أمه أي أن الجرار كانت في حده من جهة الشام قرب ثنية الوداع، وقيل أنه كان الراكب ينزل سوق المدينة فيضع رحله.

ثم يطوف بالسوق ورحله بعينه يبصره لا يغيبه عنه شيء ويظهر من هذا بأن مساحة السوق متوسطة بحيث يرى الزائر ركبه، ثم انطلق هذا السوق مع دور السكن في العصر الأموي في عهد هشام بن عبد الملك الذي كانت ولايته مابين عام خمسة وستين إلى سبعة وثمانين من الهجرة، وظهرت الشوارع التجارية لتسهيل حركة الأفراد وحركة البضائع، كما نظمت فيه الدكاكين ليكون سوقا ثابتا، ووسع حتى قرب إلى ثنية الوداع الشمالية وجعل لهذا السوق تسع بوابات تقود إلى منازل ومخيمات سكان المدينة، وبنيت في داخل السوق حوانيت في الدور الأرضي ومساكن في الأدوار العلوية ويبدو أن مساحة السوق قد تقلصت في هذه الفترة بمقارنتها بمساحته في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد يعلل هذا بأن كثيرا من التجار كانوا يأتون من مناطق مختلفة.

خارج المدينة المنورة ثم يعودون إلى ديارهم بعد انقضاء تجارتهم دون الحاجة إلى الاستقرار في المدينة المنورة، وخاصة بعد انتقال مركز الحكم من المدينة المنورة إلى دمشق في بلاد الشام ولهذا كان تأثير الوظيفة التجارية في هذه الفترة المبكرة على المنطقة المبنية محدودا إذ كان التجار ينصبون رحالهم في السوق أو يقيمون مع أقاربهم أو يستأجرون مبنى لهم لفترة محدودة، وقد أطلق على سوق المدينة الشهير بسوق المناخة أسماء متعددة منها سوق المدينة، أو بقيع الخيل، أو سوق المصلى، أو سوق البقيع، أو سوق البطحاء، أو سوق الزوراء، وكما أنه كانت هناك أسواق متعددة بالمدينة المنورة، وهى يثرب قبل سوق المدينة أو متزامنة معه أو بعده، منها سوق بني قينقاع، وسوق بالصفاصف، وسوق زبالة، وسوق مزاحم، وسوق النبيط أو النبط.

ثم أصبحت هناك أسواق بمسميات مختلفة حسب نوع ما يباع مثل سوق الخيل، سوق الإبل، سوق التمر وهكذا، وعندما استقر المجتمع المدني للمسلمين في المدينة المنورة وتوطدت دعائمه فيه دعت الحاجة إلى سوق مستقرة تواكب استقرار المجتمع وتساير متطلباته، وعندئذ كان لابد من البحث عن سوق تتوافق في ضوابطها مع أسس ومبادئ الدين الجديد وحضارة التعاليم النبوية التي لا غش فيها ولا خداع، فتم إقامة سوق المناخة، والمناخة سميت بذلك لأنها كانت تستخدم مناخا للقوافل والحجاج، وهي أحد أحياء المدينة المنورة، تقع غربي المسجد النبوي من ثنية الوداع الشامية شمالا، إلى مسجد الغمامة جنوبا، وكان القسم الشمالي منها ميدانا للتدرب على ركوب الخيل والرماية، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يحضرهناك.

ويحض المتدربين على أن يجودوا، ويسابق بينهم أحيانا، وقد بُني في موقع السباق مسجد سمي مسجد السبق، وفي قسمه الثاني اختط رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين السوق في السنوات الأولى من الهجرة ليخلصهم من سيطرة اليهود على الأسواق الأخرى، فكان عند استقرار المجتمع المدني بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبناء مسجده، كان لابد في ذلك الحين من البحث عن سوق تتوافق في ضوابطها وتعاملاتها مع أسس ومبادئ الدين الجديد وحضارة التعاليم النبوية التي لا غش فيها ولا خداع، فاضطرت الظروف المسلمين للتبايع في السوق الموجودة حينها والتي كان يتحكم اليهود فيها وكانت لهم اليد العليا، وبعد مدة أخذت أنشطة المسلمين التجارية تزداد شيئا فشيئا بالتزامن مع استقرارهم وتزايد عدد سكان المدينة المنورة، وزيادة الوافدين الجدد إليها.

وأمام مضايقات وخداع اليهود للمسلمين عموما وللتجار منهم خصوصا وبسبب التباين في المبادئ التي تقوم عليها تجارة كل من الفريقين، كان لابد من أن ينحى النبي صلى الله عليه وسلم منحا جديدا فيه تصحيح لمسار النشاط التجاري، فأنشأ السوق الإسلامية ليحرر مال المسلمين من الخبائث والمعاملات الظالمة، وحتى يؤكد للناس شمولية الإسلام والذي يهتم بالأمور الدينية والدنيوية، وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم موقع السوق ووقف عليه وخطه للمسلمين إيذانا منه صلى الله عليه وسلم بعهد جديد في الاقتصادالاسلامي، فقد جاء في الروايات أن رجلا جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد رأيت موضعا للسوق أفلا تنظر إليه؟ فجاء به إلى موضع سوق المدينة، فقال فضرب النبي صلى الله عليه وسلم برجله، وقال “هذا سوقكم فلا ينقص منه ولا يضربن عليه خراج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى