الدكروري يكتب عن مرض يُؤدي إلى الكفر والفسوق بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : الخميس الموافق 28 ديسمبر
الحمد لله الحكيم العليم، دبّر بحكمته شؤون العباد، وأوضح بفضله سبيل الرشاد، أحمده سبحانه وأشكره، على نعمه وآلائه التي تزداد وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزّه عن الأشباه والأنداد، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، أفضل نبي وخير هاد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه، الذين نهجوا طريق السداد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد أما بعد، إن الإسلام يحرص على أن يكون المسلم عضوا فعالا إيجابيا منتجا نافعا لنفسه وأهله ومجتمعه فلا يكون إمعةً، وهكذا المسلم يرى الأمل دائما غير منقطع وينظر إلى الواقع وإن اشتد عليه بإيجابية وتفاؤل، وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم ” من قال هلك الناس فهو أهلكهم” رواه مسلم.
ومعني فهو أهلكهم أي أشدهم هلاكا، وفي هذا الحديث يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عظم من قال في الناس أنهم هلكى، لأن في ذلك حكم على عموم الناس بالهلاك وهو أمر غيبي لا يستطيع أحد الإطلاع عليه إلا بالوحي، والوحي قد انقطع من السماء، فكان جزاؤه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن القائل بذلك أنه أهلك الناس وأفسدهم، وقال الحافظ ابن عبد البر هذا الحديث معناه لا أعلم خلافا فيه بين أهل العلم أن الرجل يقول ذلك القول احتقارا للناس وازدراء بهم وإعجابا بنفسه، فانظروا إلى هذا القول فقط كيف يؤدي بالمرء إلى الهلاك والخسران، وهو مجرد قول لا مساس فيه بأموال الناس ودماءهم وأعراضهم، وكل هذا لأن قائل هذا القول نظرته للمجتمع نظرة سلبية سوداوية لا أمل فيها.
واعلموا يرحمكم الله إن من أمراض القلب هو إباء القلب، وإباء القلب عن الإذعان لما أمر الله مرض يُؤدي إلى الكفر أو الفسق، نسبه الله عز وجل إلى القلب في قوله تعالى عن المشركين كما جاء فى سورة التوبة ” كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون” وأيضا هناك نفاق القلب، والنفاق أعم أمراض القلب وأكثرها دائرة، يزيد وينقص، فإن زاد كان الموت لا محالة، وإلا فالمرض، وقد سماه الله مرضا، كما في قوله تعالى فى سورة البقرة ” فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا” وقد وردت هذه المادة بأوجه مختلفة في القرآن الكريم، وخاصة بمعنى النفاق، حيث تكررت بمشتقاتها أكثر من ثلاثين مرة، وإن أمراض القلب كلما ازدادت وأصابت القلب وتمكنت منه مات القلب.
ولفظ الموت لم ينسب صراحة للقلب في القرآن الكريم لحكمة أرادها الله تعالى لأنه مهما بلغت بالقلب مراتب الضعف والمرض، قد يشاء الله له الهداية فيحيِيه بعد موته، وكذلك هناك موت دون موت، كما في تعدد معانيه كالسكون والنوم والبلى، أو تعدد أنواعه كالجهل، أو زيادة الكدرات من الآثام، أو موت مؤقت كالنوم، أو تعدد أوجهه، كالضلال، والجدب، أو ذهاب الحياة منه لفترة، ثم عودتها إليه مرة أخرى، وقد ورد في السنة النبوية تصريح بموت القلب، ففي سنن ابن ماجه حديثان فالأول هو عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “مَن قام ليلتي العيدين محتسبا لله، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب” والحديث الثاني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب”
وإن من الأمراض الشديدة التي تلحق القلب، وهي مرحلة من مراحل موت القلب هو لهو القلب، وهو كل ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه، وقد ورد هذا اللفظ في القرآن بهذه المعاني في مواضع مختلفة، وقد ذكرت هذه المادة في القرآن الكريم ست عشرة مرة، وارتبطت بالقلب، وقال القرطبي فى قول الحق سبحانه وتعالى ” لاهية قلوبهم” أى ساهية قلوبهم، معرضة عن ذكر الله، متشاغلة عن التأمل والتفهم.