الدكروري يكتب عن أول نداء للمؤمنين بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : الأثنين الموافق 18 ديسمبر
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بأمره تنسف الجبال نسفا، فتكون قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، الحمد لله الذي بأمره تنكدر النجوم، وتنفطر السماء وتنشق الأرض، وتسجر البحار وتتفجر نيرانا، الحمد لله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا، أما بعد، إن أول نداء في القرآن الكريم للمؤمنين كما جاء في سورة البقرة ” يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم”
ففي هذه الآية الكريمة أول نداء للمؤمنين وقد ورد فيها عدة نداءات كريمة للمؤمنين، ولغيرهم، ولعل من حكم مجيء الآية في تلك الفترة بهذا النهي والأمر هو إرشاد المؤمنين بعد استقرارهم في مجتمع المدينة المختلط وإطلاعهم على كيد اليهود الذين هم جزء من ذلك المجتمع والتنبيه على دسهم، والحذر منهم لأن هذه السورة أول ما نزل بالمدينة كما قال بعض أهل التفسير، ومنه نداؤهم بصفة الإيمان التي يعتز بها كل مؤمن وذلك استنهاضا لهممهم، وتحفيزا لهم على الامتثال، وفعل الخير ولهذا كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول إذا سمعت الله يقول “يا أيها الذين آمنوا، فأرعها سمعك، فإنه خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه” رواه البيهقي، ويقول الشيخ سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن يناديهم بالصفة التي تميزهم.
والتي تربطهم بربهم، ونبيهم، والتي تستجيش في نفوسهم الاستجابة والتلبية، وبهذه الصفة ينهاهم أن يقولوا للنبي صلى الله عليه وسلم “راعنا” من الرعاية، والنظر وأن يقولوا بدلا منها مرادفها في اللغة العربية ” انظرنا” ويأمرهم بالسمع بمعنى الطاعة، ويحذرهم من مصير الكافرين، وهو العذاب الأليم. وتذكر الروايات أن السبب في ذلك النهي عن كلمة ” راعنا” وأن سفهاء اليهود كانوا يميلون ألسنتهم في نطق هذا اللفظ، وهم يوجهونه للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤدي معنى آخر مشتقا من الرعونة، فقد كانوا يخشون أن يشتموا النبي صلى الله عليه وسلم مواجهة، فيحتالون على سبه صلوات الله وسلامه عليه بهذا الطريق الملتوي، الذي لا يسلكه إلا صغار السفهاء، ومن ثم جاء النهي للمؤمنين عن اللفظ الذي يتخذه اليهود ذريعة.
وأمروا أن يستبدلوا به مرادفه في المعنى، الذي لا يملك السفهاء تحريفه وإمالته كي يفوتوا على اليهود غرضهم الصغير السفيه، ومن أسلوب الجمال والبلاغة في الآية، هو ما ذكره الصابوني في صفوة التفاسير، فقال خاطب الله تعالي المؤمنين بقوله تعالى ” يا ايها الذين آمنوا ” وهذا أول خطاب خوطب به المؤمنون في هذه السورة بالنداء الدال على الإقبال عليهم، ونداء المخاطبين باسم المؤمنين، يذكرهم بأن الإِيمان يقتضي من صاحبه أن يتلقى أوامر الله ونواهيه بحسن الطاعة، والامتثال، وفي نهيهم أن يقولوا في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ” راعنا ” وأمرهم أن يقولوا مكانها ” انظرنا” تنبيه لأدب جميل، وهو أن الإنسان يتجنب في مخاطبته الألفاظ التي توهم الجفاء، أو التنقيص في مقام يقتضي إظهار المودة، أو التعظيم.
وفي ختام الآية بالمصير المحتوم لأولئك المكذبين المخادعين الحاسدين، الذين نالوا من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وسبّوه، ومن على شاكلتهم من الكافرين، فيه طمأنة، وبشارة للمؤمنين بأن أعداءهم لن يفلتوا من العقاب.