مقال

زواج الأم والحق المرفوض والسلام المجتمعي

جريدة الاضواء

زواج الأم والحق المرفوض والسلام المجتمعي
بقلمي جمال القاضي

تعاني الأرملة والمطلقة الكثير من المشاكل التي تقابل كلاهما في الحياة والتي تهدد كيان الأسرة وتعصف بالسلام المجتمعي وتفكك كيانه ، مابين رغبة في الزواج وطلب العفة المشروعة ، وبين رفض الأبناء ورفض المجتمع لهذه الفكرة ، فبات كل منهما عرضة لمطامع أصحاب الأفكار السيئة والنفوس الدنيئة ، لتخضع لرغبات المجتمع والأبناء مستسلمة لهما قاتلة حقها المشروع،

الأمر الذي جعلنا نسأل : لماذا كان رفض الأبناء لفكرة زواج الأم بعد موت الأب ؟ ولماذا رفض المجتمع هو الآخر لهذه الفكرة ؟ وكيف صارت فكرة المجتمع عن المطلقات ؟ وماهو رأي الأبناء في زواجها مرة آخرى ؟

يتمتع الإنسان بالعديد من الغرائز التي يتوارثها ولا يكتسبها في حياته ، فهي أصل في طابع البشر ، ويولد بها ومنها غريزة حب التملك ، غريزة نراها واضحة جلية في مرحلة الطفولة ، حين يتشاجر الطفل ويضرب غاضبا كل من يحاول أن ينقل مابملكيته من ألعاب إلى غيره، ولاتقتصر هذه الغيرة وهذا الغضب فقط على ألعابه بل هو يرى بعقله إن كل شيء حوله هو ملكه الخاص بعالمه هو ، الأم والأب والأخ والأخت ، هم جميعا في نظره ألعاب ناطقة متحركة ، تشبه في تصورة الجمادات التي في ألعابه ، يحدثهم بتمتمته ربما هناك منها ما يفهمه ،

ومع تقدم الوقت الذي ينمو فيه جسده ويتطور فيه عقله ويستخدم فيه كلماته ، مميزاً بين الجماد ومايتحرك ، وماهو حي وميت ، تتطور مشاعره وملكاته وغرائزة لكن يبقى حب التملك بداخله تجاه الأم والأب حي لايموت وتذداد شدته إكثر مما كانت عليه سابقا لكنها تأخذ شكلا مختلفا عن زي قبل ، كما يختلف هذا التملك بقوته مابين الإبنة والإبن تجاه الأبوين ، فهذه الإبنة تغار غيرة شديدة على أبيها في مرحلة الطفولة ، لاترغب في إقتراب أحداً غيرها لأبيها حتى وإن كان هذا الشخص هي الأم ذاتها، وعلى العكس يكون مع الإبن تجاه أمه ، لكن يصبح العكس في مرحلة النضج ، لتتبدل الأدوار في الغيرة التي هي مظهر من مظاهر غريزة التملك .

هنا يتضح مدي تعلق الأبناء بالأبوين ، فكل أفراد الأسرة من الأبناء يرون أن الأم هي من حقها عليهم أن تحظى بالإهتمام والرعاية ، وذلك في مقابل تضحيتها الكبيرة لهم داخل الأسرة ، متجاهلين حقوقها الشرعية والجسدية المشروعة ، فهذا مايرفضه تصورهم وعقلهم ، فهي في نظرهم لهم فقط وليست لأي رجل في العالم حتى وإن كان هذا الرجل هو الأب الذي هو زوجها ،

وحينما يموت الزوج ،
يرى الأبناء أن كل ماعلى الأم الأرملة أن تكمل ماتبقى لها من العمر لاعبة كل الأدوار من أم وأب ،لتعيش دائما في تضحية ،

وعند سؤال بعض الأبناء عن سبب رفض فكرة زواج الأم لغير الأب بعد وفاته ، كان الجواب متعدد في أشكاله ،

فمنهم من قال كيف نقبل بفكرة رجل آخر غير أبي يصبح مع أمي في حجرة ويغلق عليهما بابا واحداً ؟ ( نعم إنها غريزة حب التملك جاءت للتحدث مرة آخرى وتعبر عن وجودها ، إنها مازالت حية بداخلهم ولم تمت حتى الآن )

وكان جواب الآخرين قائلين : إن كان قبولنا لزواج الأم فكيف يكون تعاملنا مع زوجها الجديد وهو رجل غريب لايعرفنا ولانعرفه ؟ كيف له أن يعاملنا ؟ كيف نكون وهو يغلق مابيننا وبينهما بابا وقد كنا مع الأم ندخل إليها ونتحدث معها وقتما نشاء واليوم علينا أن نقبل به واقعا ؟ ( لكن هي الغريزة ذاتها تتحدث عن نفسها بأشكال من التساؤلات ربما لاتقنع الإجابات من يسألها )

وكان هناك قبولا من فئة قليلة لفكرة الزواج ، إلا أنه كان لهم تفسيراً مختلفا عن غيرهم لقبول هذا الزواج شكلاً دون تفصيل أو قبول للجوهر والمضمون ، ألا وهو من أين يكون لنا أن ننفق ؟ هذا الزوج لها أفضل من أن نشرد في الشوارع ،

وكانت هناك العديد من ظواهر الرفض عموما ، كان منها في صورة تهديد الأبناء لأمهم بالإنتحار في حالة قبولها بالزواج ، ومنهم من كان تهديده في صورة الهروب من المنزل ، ومنهم من قال أفضل لي أن أموت ولا أراك في أحضان رجل غير أبي .

وعن رفض المجتمع لفكرة الزواج للأرملة مرة آخرى فهناك العديد من الأسباب نذكر منها ،
جميعاّ نعيش بين عادات وتقاليد هي متوارثة قديما عبر الأجداد والأجيال المختلفة ، كما أنها نقلت إلينا كما هي دون محاولة لتغيرها ، فكل مايرتبط بالغرائز لايقبل التغير وكل مايرتبط بالعقل يقبل الجدال والتطوير ،
فالمجتمع هو مجموعة كبيرة من الأسر وكل أسرة لديها معتقداتها ، الرافضة لمثل هذا النوع من الزواج ، فكانت آذا توافرت كل الشروط من القبول للأبناء بزواج أمهم ربما كان خوفا من الفقر أو بعد إقناعها لهم ، كان نصب أعينها الخوف من القول الظالم لها من المجمتع عليها بكلمات تصفها بالشهوانية الجسدية وعدم القدىة على التحمل والصبر وقبح جماح هذه الشهوات التي لديها ، فتتراجع آسفة أمام تلك النظرات وتخضع لهذا الواقع المؤلم من أحكام لاتخاطب جسد وإنما تخاطب عقل يجهل الحق والمشروع من الشرائع والدين ،

والمطلقة مثلها مثل الأرملة في فكرة الرفض لفكرة زواج أي منهما في نظر الأبناء ،

لكن هنا نرى نظرة المجتمع للمطلقة تختلف ، فالمجتمع ينظر لها بعقلانية ، حيث يبارك زواج المطلقة رافضا زواج الأرملة ، فهو يرى أن زواج المطلقة بمثابة فرصة جديدة تثبت فيها قدرتها على النجاح في إقامة علاقة جديدة يكون نتيجتها السكون والطمأنينة بعيدا عن الرزيلة والمعصية وينظر لها نظرة الفشل إن ظلت هكذا دون زواج بعكس نظر الأبناء لها تمام ،

وأخير :
إننا نعيش بهذه العصور التي تطورت فيها كل مظاهر الحياة بعقلية رجعية مخيفة ، ترفض ماشرعه الله وأحله للبشر ، وترضى بالمعصية الخفية ، ترفض حلالتً خوفا من القيل والقال ، وتبارك حراماً لأن لايكلف من يأتيه بنظرهم شيئاً يخدش أو يعيب شخصياتهم وسط المجتمع ، قائلين بلاجهر من القول أفعل ماتشاء لكن عليك أن تبقي بمكانك بين المجتمع كما ينظر لها المجتمع بعيداً عن حديث الغير من القيل والقال ، علينا أن نغير من هذه المفاهيم الخاطئة ، متحدثين إلى الأبناء قائلين لهم : إن من حق كل إنسان في هذه الحياة ، أن يكمل حياته كما يشاء لكن دون أن يغضب الله ، وذلك يصبح بزواجه بمن يرى فيه الحكمة والعقل والقدرة على المحافظة على الكيان الأسري القائم من قبل دون أن ينحر في جسده هذا التماسك بل ويعمل جاهداً على إن يبقى تماسك الأسرة التي هي وحدة بناء هذا المجتمع ليبقى المجتمع كاملاً بتناسقه بعيداً عن مايغضب الله من فعل الرذيلة والزنا والمحرمات الأمر الذي ينعكس بدوره على السلام المجتمعي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى