مقال

الدكروري يكتب عن المستثمر الوطني ” جزء 7″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المستثمر الوطني ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وإن ضمنت حياتك إلى الغد فلا تأمن المعوقات من مرض طارئ أو شغل عارض أو بلاء نازل، فبادر باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله،وفعل ما ينفعك، وأسأل نفسك دائما ما الذي أستطيع فعله لاستغلال وقتي الآن، فقد قال المُحاسبي رحمه الله والله لو كان الوقت يشترى بالمال لأنفقت كل أموالي غير خاسر أشتري بها أوقاتا لخدمة الإسلام والمسلمين فقالوا له فممن تشتري هذه الأوقات؟ فقال من الفارغين، فلا تكن عاقا، فإنه عقوق الأيام بعدم اغتنامها فيقول ابن مسعود رضي الله عنه ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي، ويروى عن حكيم قوله من أمضى من عمره يوما في غير حق قضاه أو فرض أداه أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عقّ يومه وظلم نفسه، وبعد فوات الأوان تريد بر أبيك وأمك وقد فارقا الحياة، وبعد فوات الأوان تريد أن تختم سورة الكهف يوم الجمعة.

 

ولم يتبقي على أذان المغرب سوى خمس دقائق، وبعد فوات الأوان تريد أن تصلي الفجر والشمس توشك أن تشرق، وبعد فوات الأوان تذاكر والامتحان بعد ساعة، وأخيرا وبعد فوات الأوان تريد أن تتوب وقد بلغت الروح الحلقوم وداهمتك الغرغرة وزارك ملك الموت، وإن أفضل أنواع الاستثمار ليس هو الاستثمار في الأسهم والسندات في بورصات المال حيث يجني البعض أرباحا طائلة، وتخفق القلوب إذا كسا اللون الأحمر الأسهم، وليس الاستثمار في مجال العقارات المتنامي هو أفضل مجالات الاستثمار، بالرغم من أن كيانات عملاقة وجدت من جراء الاستثمار في هذا المجال، وجنت الملايين وربما المليارات، حتى الاستثمار في مجال التكنولوجيا الذي يجتاح العالم، ليس هو الاستثمار الأمثل أو الأفضل، بالرغم من أن كبريات الشركات العملاقة الآن تنتسب إلى المجال التقني، ولكن إن أفضل مجالات الاستثمار هو الاستثمار في الإنسان.

 

فحقا نعم هو الاستثمار في مهارات الإنسان وطاقاته الإبداعية، وهو الاستثمار فيما ينمي عقلَه ومعارفه، إنه الاستثمار في رأس المال المعرفي والبشري، الذي إن تم بصيغ متقنة، فإنه يجلب الأرباح في كل أنماط الاستثمار الأخرى، فاستثمر في العقل البشري، واجني من وراء ذلك كل نجاح، لذلك فإن رأس المال البشري يعد من أهم عوامل التنمية، والإنسان هو أثمن ما خلق الله تعالى على الأرض، وإن امتهنت كرامته في بعض المواقف أو الدول التي تئن من الصراعات السياسية والطائفية والعرقية، حيث كرّمه الله تعالى حيث قال في كتابه الكريم كما جاء في سورة الإسراء ” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا” ومن المثير للغرابة أن تجد بعض الساسة في بعض الدول تنظر إلى الكثافة السكانية، وازدياد أعداد المواليد باعتبارها مشكلة تؤرق الاقتصادات الوطنية.

 

وبعض القيادات يرى فيها عبئا يلتهم موارد الدولة، ويحد من معدلات النمو، والحقيقة أن هذه النظرة فضلا عن كونها مجافية للحقيقة سلبية بامتياز حيث يمكن أن ننظر إلى هؤلاء الأعداد الغفيرة على أنها مورد هام، ووسيلة من وسائل زيادة الناتج القومي لأي دولة، فبدلا من أن ننظر إلى الصين مثلا التي بلغ عدد سكانها ما يقرب من المليار ونصف المليار نسمة على أن لديهم مليارا ونصف مليار فم يريد أن يأكل، يمكن النظر إليهم على أن لديهم ثلاث مليارات يد قادرة على العمل والإنتاج، وقد حكى الله تعالى عن قوم نبي الله شعيب، وذكرهم في معرض حديثه عمّا امتن الله به عليهم من نعم بأن الله كثر عددهم، وجعلهم أمة كبيرة بعد أن كانوا قليلي العدد، فقال تعالي في سورة الأعراف ” واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم” وهنا تكمن أهمية وخطورة الاستثمار في الإنسان في آن واحد، إن الأمم إن لم تستثمر هذه الطاقات البشرية التي لديها.

 

ربما تتحول بالفعل إلى شعوب جاهلة متخلفة، تستهلك ولا تنتج، وربما تعيش عالة على غيرها من الأمم، وتنتظر ما تبدعه العقول الأخرى لتقتنيه، أو توظفه توظيفا سلبيا يضر بمجتمعها، وبأمنه واستقراره، وإن رأس المال الفكري يَحتاج إلى العمليات الاستثمارية مضمونة الأرباح على المدى القريب والبعيد، وإن الإنفاق على التعليم والثقافة، وتشجيع الإبداع، ومساندة أصحاب الابتكارات، وفتح وسائل الإعلام لإبراز جوانب التميز لديهم لهي عمليات لا تقوم بها إلا الأمم الناهضة، التي تخطط لمستقبلها لتجني فيه الأرباح المادية والمعنوية معا، واستثمر في عقلك، وتسلح بالجديد من المهارات والمعارف، واستثمر في تعليم أبنائك، وتأكد بأن أسهمك رابحة لأن استثمار العقول يقود لتحقيق كل أنواع الأرباح، إن أكثر الأمم تقدما الآن هي أكثرها إنفاقا على التعليم، وأكثرها إيمانا بأنه وحده طريق البناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى